للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التي كان يصنعها بيزانللو. كانوا ولا شك فخورين بشخصياتهم أو بالحري كانوا قد أحبوا الفن وأجلوه، واستساغوا صراحة الفنان الجافة النابية كما لو كانت جزاء موقعاً من رئيس روحي.

لم يتردد المصور تيتيان في إظهار أنف الباب بولس الثالث على هيئة فنطسية ابن عرس، ولم يحجم عن إيضاح غطرسة شارل الخامس الجافية، أو عن تبيان شهوانية فرانسوا الأول. ومع كل ذلك لم يفقد مكانته أو شهرته لديهم. كذلك كان شأن فلاسكويز الذي لم يملق الملك فيليب الرابع فصوره كرجل غفل خامل برغم ما يبدو عليه من الظرف وحسن الشمائل؛ ولم يتحرز من إظهار فكه المتدلي، ومع ذلك استبقى حظوته لديه فاستحق بذلك الملك الأسباني الإجلال والإكرام من الأجيال القادمة لأنه كان نصير العبقرية وملاذها.

أما رجال اليوم فقد أصبحوا يخشون الحق ويحبون الكذب. ويبدو منهم أنهم يمقتون رؤية أنفسهم على سجيتها في الصور والتماثيل. كلهم يريد أن تكون عليه سيما التجمل والتزين.

حتى أكثر النساء جمالاً ممن لهن قسمات مليحة ممتازة يستبشعن جمالهن وينكرنه عندما يبرزه مثال نابه. فتراهن يضرعن إليه أن يجعلهن دميمات بأن يضفي عليهن ملامح كالتي تبدو على عرائس الأطفال ودماهم.

وعلى ذلك، فعلى المثال الذي يشرع في عمل تمثال أن يخوض غمار معركة طويلة مضنية. وكل ما يهم في الأمر إلا ينكص على عقبيه أو يضعف أو يهن بل يظل ثابتاً مخلصاً لنفسه. فإذا ما رفض عمله زاد الطين بلة. وربما كان الخير في ذلك لأنه غالباً ما يكون لذلك العمل مزايا عظيمة.

أما العميل الذي يقبل قطعة طيبة على غير مشتهاة ورضاه، فانه لا يلبث أن يغير شعوره نحوها عندما يمتدحها الهواة، وينتهي به الأمر أخيراً إلى الإعجاب بها، وبعد ذلك يعلن في صراحة أنه كان يحبها ويقدرها دائماً.

وفضلا عن ذلك أن أروع التماثيل هي ما صنعت للأهل أو للأصدقاء بلا مقابل، وليس ذلك لأن الفنان يعرف مثاله معرفة طيبة من طول النظر إليه ومحبته له فحسب، بل لأن مجرد شعوره بإهداء عمله إليه يطلق له عنان الحرية في العمل.

ومع ذلك فقد رفضت أحسن التماثيل عندما وهبت للأصدقاء بغير مقابل، وعلى الرغم من

<<  <  ج:
ص:  >  >>