أنها قطع خالدة، فقد أعدت إهانة للمهدى إليهم. ينبغي على الفنان أن يسير في طريقه قدماً، ويجد تمام لذته وحسن جزائه في أن يقوم بعمله على خير الوجوه وأحسنها)
لقد تابعت باهتمام كبير نفسية الجمهور الذي يتصل به الفنان ولكن يجب علي أن أثبت هنا أن كثيراً من المرارة كانت تمازج تهكم رودان، قلت له:
(ولكن يظهر يا أستاذ أنك أغفلت تجربة من تجارب حرفتك، وهي أنك تصنع تمثالا لعميل لا يحوي رأسه تعبيراً ما أو ينطوي على غباوة ظاهرة. فضحك رودان من قولي ثم أجب:
(هذا لا يمكن أن يحسب في عداد التجارب. ثم لا يجب أن تنسى مبدئي الذي أستمسك به دائماً وهو: أن الطبيعة جميلة أبداً. وليس علينا إلا أن نفهم ما تظهره لنا. أنك تتكلم عن وجه بلا تعبير. وفي الواقع لا يوجد مثل هذا الوجه لدى الفنان الذي عنده أن كل رأس يدعو إلى الاهتمام. دع مثالا يلحظ وجها غفلا ساذجا، أو دعه يظهر لنا معتوهاً منصرفاً إلى العناية بمظاهر دنياه فنرى منه تمثالا جميلا رائعاً.
(ثم أن ما يسمى (بالسطحية) غالباً ما يكون شعوراً غير مكتمل بالنسبة لنقص التعليم والتهذيب وفي تلك الحالة يتخذ الوجه مظهراً غامضاً جذاباً لعقلية تبدو كأنها مقنعة بقناع شفاف).
(وأقول أخيراً. . . ولا أدري وايم الله كيف أفصح عما أريد أن أقول - إن أحقر الرؤوس شاناً، وأقلها خطراً ما هو إلا مستكن لتلك القوة السحرية العجيبة - الحياة. وعلى ذلك فهو معين لا ينضب لعمل الطرفة الفنية الفذة).
شاهدت بعد عدة أيام بمرسم رودان في ميدون صبائب لكثير من تماثيله البديعة. وهناك انتهزت الفرصة وسألته أن يوقفني على الذكريات التي تبعثها تلك التماثيل. كان هناك تمثال فيكتور هوجو - غارقاً في بحار التأمل، جبهته المجعدة كأنها البركان، وشعره الأشعث كأنه ألسنة لهب أبيض تندلع من جمجمته. . . أنه تمثيل صادق للشعر الغنائي الحديث من حيث عمقه واصطخابه. قال رودان:
(إن صديقي بازير هو الذي قدمني لفيكتور هوجو وعرفني به. وكان بازير كاتم سر جريدة المارسيز ثم جريدة الانتران سيجان فيما بعد. وكان يعبد فيكتور هوجو. وكان أول من فكر في عمل حفل سنوي للشاعر العظيم بمناسبة عيد ميلاده الثمانين. وكان الحفل كما