وجعلت أتردد كل يوم في الميعاد المعين ١٥ يوماً إلى أن أمنت الداء وحصلت على مناعة سنة كاملة. وعلمت أن ذلك الكلب التعس نفق في اليوم الثاني في المستشفى.
قلت يوماً لمدير المكتب، إن هذا المستشفى نعمة عظيمة للناس لا تقدَّر بمقدار. قال: ليت الناس كلهم يعرفون هذا. نأتي بكثير منهم بالوعد أو بالوعيد لكي نعالجهم مجاناً لوجه الله فلا يلبثون أن يهربوا. والذين يُجاء بهم من الأرياف ينزلون في المستشفى فيعالجون من جراحهم ويحقنون بالمصل ويأكلون ويشربون وينامون مجاناً ومع ذلك لا يرضون!
قال لي أحد أطباء المستشفى وهو الدكتور عزمي توفيق إن في المستشفى نحو ١٧٠ سريراً في طابقين من البناء، وإذا زاد عدد المصابين على عدد الأسرَّة دبرناهم بالتي هي أحسن. فنضع الطفل منهم مع شخص آخر في سرير كبير مثلاً، وقد يكون عندنا في وقت واحد نحو ٢٢٠ مصاباً أو أكثر. ومن كان له أقارب في القاهرة ينزل عندهم ويتردد على المستشفى فيبقى محله لغيره.
قد يدهش القارئ إذا علم أن هذا المستشفى يعالج أكثر من عشرة آلاف مصاب في السنة يعطيهم فيها نحو ١٥٠ ألف حقنة من اللقاح الذي يحضر في المستشفى عدا معالجة الجراح. لا تكون الإصابات من عضة كلب فقط، بل تكون من الحيوانات الأخرى كالحمار أو الجمل أو الحصان أو الدجاج. لأن هذه تسعر كالكلاب ويعدى بعضها بعضاً وتعدى الإنسان، فإذا عقر الحيوان الكبير إنساناً فقد يكسر ساقه أو يسحق ذراعه أو كتفه. وهذه الجروح تستغرق وقتاً طويلاً وعلاجاً متواصلاً فضلاً عن الحقن بالمصل.
والمصل يحضر في معمل المستشفى فيُستعمل طازجاً في اليوم الثالث من تحضيره النهائي. ويحضر اللقاح من مخ الأرنب أو دماغه. ويمكن أن يحضر من مخ أي حيوان مصاب. ولكن الأرنب أرخص الحيوانات ثمناً وأسهلها مراساً. ويستعمل لهذا الغرض كل يوم نحو ٥٠ أرنباً تقريباً يقدمها متعهدون للمستشفى.
وأما كيفية تحضير المصل فدراسة فكهة، وهي أن تجرح جلدة قمة رأس الأرنب جرحاً بقدر سنتيمترين وتقلب إلى الجانبين ليظهر من الجمجمة قدر القرش الصغير. ثم تثقب الجمجمة ثقباً صغيراً، ثم يحقن النخاع بنقطة من سائل فيه ميكروب الكلب، ثم يضمد