للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

القتلى والأموات، والاعتداء على المستشفيات والمعابد والمدارس ومخلفات الفنون والآثار، وإغراق السفن المستسلمة وتخريب المدن المفتوحة التي لا يدافع عنها، واتخاذ ملابس الجيش الآخر للغدر والتغرير، ونقض العهود أو شروط التسريح.

هذه وأمثالها هي الجرائم التي تجيز الدول اليوم أن يساق مرتكبوها إلى القضاء، وأن يتلقوا عليها عقاباً قد يصل إلى الموت

ولم يعرف عن النبي عليه السلام أنه عاقب أحداً من المشركين على جريمة غير هذه الجرائم وأمثالها، ولا سيما الغدر ونقص الكلمة وتعذيب المستضعفين.

ونقول إن الدول الحديثة قد صنعت خيراً بتقرير هذا المبدأ السليم في جرائم الحروب، وأن العمل بهذا المبدأ سيفيد بعض الفائدة وإن لم تمتنع به الجرائم كل الإمتناع، لأن الجندي الذي يستحضر هذه العقوبات وهو يحمل السلاح خليق أن يتورع عن العدوان مخافة القصاص عند الهزيمة، وهو لا يأمن الهزيمة كل الأمان ولا يضمن النصر في جميع الأحوال.

وليس من الظلم أن يحيق العقاب بمن يؤمر فيطيع، لأن الرجل الذي يمثل بالأبرياء ويهتك الأعراض ويقترف المحرمات لأنه أمر بذلك فأطاع لا يعفى من العقاب في وطنه ولا يخليه من التبعة أن يحيل الذنب على آمريه. فلا اختلاف في الأمر إذا حمل السلاح وتجرد للقتال.

وإنما الظلم في رأينا أن يقصر على المجرمين في الأمم المهزومة دون المجرمين في الأمم المنصورة، لأن الذي يعاقب على الذنب أولى أن يتجنبه ولا يغضي عنه، وإلا سقطت حجته في الإدانة وتوقيع الجزاء.

نعم إنه منطق الواقع الذي تقرره القوة، ولكن حكم القوة وحكم الشريعة لا يتفقان، فلا شريعة حيث يفعل القوي ما يشاء، ولا قوة حيث يجري العدل في مجراه.

وربما تعذرت التسوية بين المهزومين والمنتصرين في الوقت الحاضر أو في وقت قريب، لأننا لا نزال قريبين من أحكام الحرب التي لا تحرم على المقاتل وزراً يقترفه في حق إنسان يناصبه العداء أو يلقي له يد السلم على ملأ من الناس.

ولكننا نرجو أن تبلغ الإنسانية هذه المرتبة الرفيعة بعد خطوات لعلها لا تطول.

<<  <  ج:
ص:  >  >>