وأول هذه الخطوات أن تقام في بلاد المنتصرين أنفسهم محاكم مستقلة على مثال محكمة الغنائم التي تفصل في المنازعات بين حكوماتها وبعض الأفراد المحايدين أو المنسوبين إلى الأعداء. فقد حدث غير مرة أن قضت هذه المحاكم المستقلة على حكوماتها بالغرامة والتعويض، فكان فخر الحكومات بقضائها المستقل أنفع للأمة من كل مال تخسره في ساحة القضاء.
فإذا قامت هذه المحاكم وجب أن يباح لكل إنسان في أمة منهزمة أن يتقدم إليها بالشكوى من الجنايات التي اقترفها الجنود المنتصرون، وأن يدان الجناة بالعقوبات التي يدان بها المنهزمون، متى ثبتت جنايتهم بالبرهان الذي لا يقبل المحال.
وموضع الصعوبة هنا أن تعتبر شهادة المنهزم لتأييد دعوى المنهزم وكلاهما موتور متهم النية والشعور، ولكن الوقائع لا تثبت كلها بالشهادات، وليست الشهادات كلها مع هذا بالتي يلتبس فيها الحق والباطل كل الالتباس.
والخطوة الثانية في طريق العدل الإنساني بصدد الجرائم التي تقترف أثناء الحروب أن يؤخذ حق القضاء من الدول المنفردة ويوكل إلى هيئة عالمية يتبع في تأليفها نظام لا تغيره الهزائم والانتصارات، ويعرف أعضاؤها وأصول المقاضاة بين يديها قبل أن تعرف مصائر الحروب.
والخطوة الأخيرة - ولعلها لا تحسب من أحلام الخيال - أن تفلح الهيئات الدولية والمواثيق العالمية في منع الحروب وفض الخصومات من طريق التحكيم، فلا حروب ولا جنايات في أثناء الحروب ولا محاكمات أو عقوبات من جراء تلك الجنايات.
فإذا كان هذا حلماً من أحلام الخيال فدونه في الطمع أن تقع الحروب ولكن على الفيصل الواضح بين المحقين والمبطلين، فيتسنى للعالم كله أن ينصر المحق على المبطل، وأن يحصر شرور القتال في أضيق الحدود.
منى إن تكن حقاً تكن أعذب المنى! وإلا فهي على كل حال خير من اليأس الدائم من كل مصير.