وزهدني في الناس معرفتي بهم ... وطول اختباري صاحباً بعد صاحب
فلم ترني الأيام خلاً تسرني ... مباديه إلا ساءني في العواقب
ولا قلت أرجوه لدفع ملمة ... من الدهر إلا كان إحدى المصائب
طوى الأمير أربعين عاماً في إمارته، شاع فيها ذكره ونبه اسمه، وحلب الدهر أشطره، ورأى أحداثه وعبره. ثم حم القضاء وبعث ابن تاشفين جنوده على ملوك الطوائف تثل عروشهم، وتعفي على آثارهم. ولقي (رجلا الجزيرة) الصدمات الأولى فدارت على المعتمد الدائرات، فإذا هو أسير أغمات، وللمعتمد بن عباد قصة ملؤها العبرات والزفرات.
وعلم ابن حماد بما أصاب صاحبه فملكه الغم، وناء به الحزن، وكان أسعد من صاحبه جداً، نجاه الموت من الإسار، وأنقذه الحمام من المذلة: رب عيش أخف منه الحمام. ولله ابن بسام حين يقول:(وكان بين المعتصم وبين الله سريرة أسلفت له عند الحمام يدا مشكورة. فمات وليس بينه وبين حلول الفاقرة به إلا أيام يسيرة، وفي سلطانه وبلده، وبين أهله وولده).
دع ما نمق الكتاب، وأنشد الشعراء، ودع أربعين طواها الزمان كأنها أحلام، وانظر المعتصم ليلة الخميس لثمان بقين من شهر ربيع الأول سنة أربع وثمانين وأربعمائة - الليلة التي طلع عليه بالردى فجرها - هاهو ذا على فراش الموت في قصره بالمرية، ومعسكر ابن تاشفين على مقربة من المدينة ترى خيامه، وتسمع ضوضاءه. ويسمع المعتصم وجبة من الجيش اللجب، والجند المصطخب، فيقول كأن لم ينعم بالملك والجاه أربعين عاماً!
لا إله إلا الله! نغص عليها كل شيء حتى الموت، قالت (أروى) إحدى جواريه:
(فدمعت عيني، فلا أنسى طرفاً إلي يرفعه، وإنشاده لي بصوت لا أكاد أسمعه)