هناك طائفة تقول (بكفره) وهم الخوارج وأخرى تقول بإيمانه - وهم جمهور المسلمين - وثالثة تركت أمره إلى الله سبحانه ولم تحكم عليه بإيمان ولا كفر، وقبل أن يجيب الحسن البصري أستاذ واصل والذي كان يسمى صاحب الكبيرة (منافقاً) أجاب واصل بأنه (في منزلة بين المنزلتين، فليس بمؤمن ولا كافر، لأنه لم يجمع كل أجزاء الإيمان حتى يكون مؤمناً، ولم يفقد كل أجزائه حتى يكون كافراً، فالأولى أن يسمى (فاسقاً) لا مؤمناً، ولا كافراً، ولا منافقاً، - وسيبقى هذا الرأي أصلاً من أصولهم المجمع عليها. وعندئذ قام واصل إلى اسطوانة من مسجد البصرة وأخذ يقرر على بعض زملائه من تلامذة الحسن بعض أفكاره، ويقال إن لحسن لما رأى منه ذلك قال. (اعتزلنا واصل) فسموا (معتزلة) لهذا، وهناك آراء أخرى في تعليل إطلاق هذا الاسم عليهم، في هذا الوقت لم يكن واصل يفكر أن خلافه هذا مع أستاذه سيكون مدرسة من مدارس الإسلام الكبرى وأنه سيتفرع منها مدارس أخرى - على حسب التأثير الذي تأثرت به كل مدرسة من الثقافات الأجنبية المختلفة، حتى أصبحت طبقات هذه الطائفة (المعتزلة) عشرين طبقة بينها خلاف في بعض الفروع هو أساس تفرقها، وإن كانوا جميعاً على أصول سنذكرها فيما بعد.
وإذا بحثنا عن منشأ هذه الفكرة - فكرة مرتكب الكبيرة - نجد أن الخلاف السياسي الذي قام بين المسلمين بعد قتل (عثمان رضي الله عنه) هو السبب في وجودها حيث أخذت كل طائفة تخطئ الأخرى معتقدة أن الحق في جانبها. . .
إذن كانت مهمة هذه المدرسة في أول نشأتها الدفاع عن رأي سياسي سببه الخلاف بين المسلمين، ولما مرنت هذه المدرسة - وبعبارة أخرى مرن أصحابها - وآنست من نفسها القدرة عليه، وعلى الجدل ضد الخصوم - وإن كانوا من طوائف أخرى لا تدين بدين المسلمين - لما مرنت على هذه قامت بواجبها بجانب الجيش الذي يدافع عن هذه الدعوة الإسلامية بالسيف، ولكن كان دفاع هذه الطائفة بالحجة والدليل، دخلت أمم كثيرة تحت لواء الإسلام، وكانت هذه الأمم أصحاب عقائد دينية وثقافات فكرية ولهم شبه: إما نشأت في دينهم الجديد وبقيت معهم بعد إسلامهم، وإما نشأت من مقارنة دينهم الجديد بدياناتهم التي وروثها عن أسلافهم. ومن يقوم بالدفاع والإجابة على هذه الشبه؟
قام بهذا المعتزلة، وأبلوا في هذا بلاء حسناً، ولهذا سنجد من أصولهم التي لابد منها لمن