الاعتقاد بوجود الله من بديهيات العقل، فلا يعيش عقل بلا اعتقاد بإله كما يقول (دور كيم)، والإنسان بهذا المعنى حيوان ذو دين، ذلك لأن تجارب العقل ومحسسات الحواس التي يستند في حكمه أليها، توصل حتما إلى الاعتقاد بوجد إله، وسواء كان منشأ هذا الاعتقاد الخوف أو التطلع إلى المجهول، كما هو مبين في كتب الميتافيزيك، فلا شك في أنه بديهي، أما ما عداه من شعب الإيمان وأركانه، كمعرفة صفات الله، والإيمان بالمغيبات، والقضاء والقدر، فلا يستطيع العقل أن يقيم الدليل على نقضها ولكنه لا يستطيع أبداً فهمها، ولا أظنني بحاجة إلى بيان الفرق بين الاعتقاد بوجود شئ وبين فهمه ومعرفة حقيقية، هذا وليس من مصلحة الدين ولا المتدينين أن تخلي بين العقل وما يجب الإيمان به، بل المصلحة بالاطمئنان العاطفي والتصديق القلبي وما يعقبه من اللذة والاطمئنان.
وهؤلاء العلماء المتكلمون الذين كانوا من رأى الأستاذ خلاف والذين حاولوا أن يجعلوا الإيمان إيمان عقل، عادوا كلهم وأنابوا واعترفوا بأن الإيمان بالقلب، هذا (ابن رشد) وناهيك به، عاد فقال في تهافت التهافت (الذي يرد به على الغزالي في كتابه تهافت الفلاسفة): لم يقل أحد من الفلاسفة في الإلهيات شيئاً يعتد به. وهذا (الآمدى) وقف في المسائل الكبار وحار، (الغزالي) انتهى إلى التصوف والتسليم، وهذا (الفخر الرازي) قال بعد تلك المؤلفات الطوال:
نهاية إقدام العقول عقال ... وغاية سمى العالمين ظلال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ... سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
ولقد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفى عليلا ولا تروى غليلا، ورأيت أقرب الطرق طريق القرآن، أقرأ في الإثبات، والرحمن على العرش استوى، واقرأ في النفي ليس كمثله شئ، ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي)