دوام الجهل ودوام العجز، ودوام الفقر ودوام الذل والمسكنة، وكثيرا ما يسول لي الشيطان أن أرى أن الطغاة يأتي منا وإلينا؛ أرحم منه الطغيان الذي يأتي من الأعاجم، لأنه مع طغيان الأعجمي في هذا العصر الذي قد يأتي العلم، وقد تأتي الحضارة، وقد تأتي نسائم للحرية لا تهب والأبواب مغلقة: والأجنبي الطاغية قد يكون أسهل إقالة، وأنت أجدر معه، إن قلت لهم، أن تستجيب لك القلوب، أو تستجيب الحناجر، وإن كنت حسن الظن فقد تستجيب السواعد.
العلم والديمقراطية:
فهذا هو العلم وهذه هي الديمقراطية، أظهر صفات هذه المدنية الحاضرة، وأضخم صفاتها. وقد جاءا الإنسانية معا. متواقتين كأنما كانا على ميعاد.
وإلى جانب هاتين الصفتين صفات أخرى، اتصفت بها المدنية الغربية، بعضها تقدم العلم في الزمن، وتقدم الديمقراطية، فكان من خوالقها. وبعضها تأخر في الزمن عن العلم وعن الديمقراطية، فكان من مخلوقاتها. وبعضها امتزج بها فلا تدري أهو خالق أم مخلوق وسأصيب من ذلك طرفا.
المدنية وحرية الفكر:
وأول هذه حرية الفكر، وهي صفة من صفات المدنية الحاضرة أصيلة. بدونها لا يكون علم ممكنا، وبدونها لا يكون حكم الشعب بالشعب ممكنا، وعلى بداهة هذا فقد ضاق بالحرية صدر الزمان. والعرب يستطيعون أن يفخروا بأنه جاءت عليهم حقبة من الدهر كانوا فيها من أكثر أهل الأرض رحابة صدر.
لقد كان من أسبق صنوف الحجر على حرية الرأي في الذي نعرف من التاريخ، الجحر على الرأي الديني المخالف أن يشيع. والعرب اختلف في أحكام دينها الغالب، وجعلته مذاهب استقرت على أربعة، يستحكم بينها الخلاف أحيانا إلى حد التناقض، ومع هذا تجمع بين أهل هذه المذاهب الصلاة وتجمعهم سائر الشعائر، ولا يخطر على بال أحد أنه ومن على يساره أو على يمينه مختلفان. واتسعت صدور الشرق لمثل هذا القرون التي ضاقت فيها صدور الغرب، فكان الاضطهاد من أجل الرأي في الدين، وكان الطرد من الكنيسة،