للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وكانت محاكم التفتيش، وذلك في دين عيسى الذي إن أخذ عليه شيء في هذا الصدد فهو الزيادة في الرحابة، ومقابلة العداوة بالصداقة، والكراهية بالحب، والإساءة الزائدة بالإحسان الزائد.

ومع هذا فقد أساء العرب إلى حرية الفكر إساءة لا تغتفر أبدا، ذلك أنهم أغلقوا باب الاجتهاد في الدين، ليفرضوا رأى قرن على سائر القرون. فحجروا بذلك على العقول، وحجروا عليها لما كسبت على الزمان الرجحان، واتسع أفقها بالعلم، واجتمع عندها الكثير من الخبرة ومحاصيل الأجيال.

على أن الحرية الدينية أصبحت في أغلب أمم الأرض اليوم عادة تكاد أن تكون شائعة. وما كان ذلك عن رحابة، ولكن عن قلة خطر الأديان عند من بيدهم سلطان الحظر والإباحة. وقام مقام الحجر على الحرية الدينية الحجر على الحرية السياسية. وأخيرا جاء الحجر على الحرية الاقتصادية، فهي اليوم أشد أنواع الحريات كراهة إلى ذوى الحكومة والسلطان. ولقد تميز العصر الحديث بقيام دكتاتوريات من صنوف وأنواع، كان أول شيء خشيته فأهدرته، حرية الرأى، يجهر بها الفرد أو تجهر بها الصحافة، وهي اللسان الذي إذا استمعت له ألوف الألوف من الآذان.

والرأي العربي يقف من حرية الرأي موقف المظلوم الذي كلما قيل له الخير في السكوت. ومن أمم العرب اليوم، أمم لا يستطيع بها الرجل المواطن أن يقول إلا همسا. ومنها أمم أكثر مجالا في القول، ولكن بها السياسة احرص ما يكونون على حرية القول وهم في معارضة، فإذا ولوا الحكم فتلوا الحبل الذي يلتف على أعناقهم عندما يعودون فيعارضون.

إن حرية الرأي والجهر به، كسائر الحريات، لابد لها من تحديد وتنظيم، وإلا كان منها الجور من الفرد على الفرد. ولكن الجهر بالرأي فيما يمس حقوق الناس حق من حقوق الشعب لا مماراة فيه ولا مهادنة. وبهذا يأخذ الفكر العربي، فيعطى أكبر مجال، ولا يقف بها إلا حيث يختل الأمن وتهدر الأرواح.

المدنية والمساواة.

إن المعاني الإنسانية، مثل الناس، بينها أواصر وأرحام، والمعاني التي تتصل بالتحرير يولد بعضها بعضا، ويأخذ بعضها عند الذكر برقاب بعض. وكذلك المعاني التي تتصل

<<  <  ج:
ص:  >  >>