بتقييد الحرية ونفي الإرادات الإنسانية، يولد بعضها بعضا، ويأخذ بعضها برقاب بعض.
والمساواة معنى نشأ مع الزمرة الصالحة من المعاني. فنشأ مع الديمقراطية، ونشأ مع الحرية الفكرية، إذا ما كان يعقل أن يكون حكم الشعب بالشعب ممكنا إلا أن تكون مساواة في الحقوق السياسية. وما كانت حرية الفكر ممكنة إلا أن تكون مساواة في الحرية الفكرية، ومن هذين هدفت فكرة المساواة بين الناس إلى كل شيء من شؤون الحياة.
وإذا نحن نظرنا إلى الوراء البعيد والوراء القريب، وجدنا أمما قام مجتمعها على الطبقات، أعاليها الأشراف، وأسا فلها الأنجاس أو أشباه الأنجاس، وأمما أخرى كانت المساواة فيها مساواة عند الله لا عند الناس، وأمما أخرى كانت المساواة فيها أملا تحقق أقله وأهدر أكثره، ثم ذهبت الأيام بالبقية الباقية منه. والمدنية الحاضرة لها معان في المساواة جميلة؛ إلا أنها لا تزيد جمالا على معاني القدماء، ولا عن معاني جليلة جاءت بها الأديان. ولكن الفرق واسع بين المعنى الجميل يسكن صدرك، والمعنى الجميل تجعل منه أسلوبا قائما من أساليب العيش.
وفضل المدنية الحاضرة على أكثر المدنيات الغابرة أنها فصلت ما كان قد أجمل، وأنها خلقت وابتكرت لتنفيذ معنى المساواة أساليب. وسأفصل بإيجاز هذا. ولكن لا ضرر من أن أسبق فأقول، إن المدنية الحاضرة لم تبلغ في المساواة بين الناس الغاية، ولا اقتربت منها، ولكن خطت إليها الكثير الواسع من الخطوات ,
المساواة أمام القانون.
وأول المساواة المساواة أمام القانون. وهي لا يمكن أن تكون في أمة والحكم فيها مطلق. ذلك أن الحكم المطلق يقوم به رجل له بطانة تسنده. والبطانة لها ثمن، والسند له ثمن. وهي بطانة وهو سند أكثر ما يكون للشيطان، فهو أفدح ثمنا. والقانون الذي يثغر مرة بثغر مرارا، ثم يكون كالثوب الذي تهلهل حتى ما تنفع فيه الرقع. والشعوب عانت في دفاعها عن القانون من نفوذ ذوي الإمرة وذوي المال عناءً كبيراً. وقد قضت المدنية، حيث توجد مزدهرة، على نفوذ ذوي الإمرة يقف رجل البوليس السيارة في الطريق وقد اندفعت بما لا يريد لها القانون من سرعة فيقضي، بغرامة صاحبها. فيحتج هذا بمكانة له أو جاه، فيبستم البوليس الصغير الفقير، وترتفع الغرامة ضعفاً أو أضعافاً. ولم يستطيع القانون بعد أن