فإذا فتحت خريطة لفلسطين الشقيقة، فابحث عن بيسان، تجدها تحت جسر المجامع جنوبي بحيرة طبرية وتطل على وادي نهر الأردن، وعلى اليسار وادي جالوت حيث كانت تقع بليدة باسم عين جالوت، ففي هذه الناحية ومنذ سبعمائة وسبع سنوات، التقى جيش مصر بقيادة سلطانها الملك المظفر قطز مع جيوش المغول ودارت بينهما معركة هائلة فاصلة، وكان مجيء المغول من الشمال حيث أراضى البقاع الخصبة - بقاع العزيزي المشهورة - وهي الواقعة الآن داخل حدود الجمهورية اللبنانية. وكان مجيء جيش مصر من القاهرة إلى الصالحية إلى غزة إلى الرملة ثم عكا ثم إلى المصاف بعين جالوت.
ولما التقى الجمعان كتب الله النصر للمسلمين فسجد ملك مصر المظفر قطز شاكرا الله ومرغ وجهه في تراب الأرض، أما قائد المغول فقد كان اسمه كتبغانوين، وقد قتله بطعنة واحدة أمير من أمراء مصر هو جمال الدين أقوش الشمسي. وكتبغا اسم تتري مركب من كلمتين قيل أن معناه الثور الذي يدهشك أو يدعو للدهشة أو يثير الإعجاب، وكان أولى أن يسمى بالثور الهائج. ونوين قيل في معناه قائد العشرة الآلف؛ وجندهم كما نعلم تتحرك بالآلاف وعشراتها.
وصفه الشيخ قطب الدين اليونيني فقال (رأيته ببعلبك حين حاصر قلعتها وكان شيخا حسنا له لحية طويلة مسترسلة قد ضفرها مثل الدبوقة، يعلقها من خلفه بأذنه، وكان مهيبا شديد السطوة) دخل الجامع، وصعد المنارة ليتأمل القلعة ومن فيها من جنود الإسلام، قال:(خرج من الباب الغربي ودخل دكانا خربا وقضى أمرا والناس ينظرون إليه) ثم أردف ذلك بقوله: ولما بلغه خروج العساكر المصرية حار في أمره ماذا يفعل ولكن حملته نفسه الأبية على اللقاء وظن انه منصور على جاري عادته، فحمل يومئذ على المسيرة فكسرها ثم أيد الله المسلمين وثبتهم في المعركة) وجاء النصر من عنده تعالى.
وجئ بالأسرى وبينهم ابن القائد العظيم فأخذه الملك المظفر قطز وسأله:(اهرب أبوك). فأجاب:(أن مثله لا يهرب). وعرضت القتلى فتعرف الابن على أبيه وصرخ باكياً، فعلم المظفر بموته وسجد لله شكراً مرة أخرى.
وكان المغول يؤمنون بعبقرية كتبغا ويستبشرون به خيراً، إذ هو الذي اخضع البلاد لهم من