ألقت بصيصاً ولو ضئيلاً من النور على ظلام الحياة؟ أو هل أضافت نغمة ولو خافتة إلى موسيقى الكون؟ إذا التمسنا شيئاً من ذلك ووجدنا له أثراً يشير إليه أو لمسنا صدى له في نفس المصور كان لنا أن نأمل من هذا الفنان شيئاً.
المصور العبقري كالشاعر العبقري كلاهما كالنبي المعجز غرس الله في قلوبهم بذرة الخلود تجمع بينهم رابطة الروح السماوي والنور الإلهي وهم يصدرون عن إيمان صادق ووحي أمين وإن كان لكل وجهة يوليها وعالم يكشفه.
والمصور الصادق قطعة من الحياة تهذبت وتثقفت، يرتاد سبيله ملهماً ببصيرة سماوية وقلب دافق ألا حساس مرهفه، ومهجة فياضة الشعور، ووجدان بالغ الدقة منته في اللطف؛ فهو روح مجرد يطير في كل أفق، ويحوم في كل خميلة، ويرد كل غدير، ويعتلي كل فن، ويدوم فوق كل منظر بهيج فيحيطه بفؤاد خفاق، ويلتهمه بعين حديدة، ويحيله أشعة وظلالا ويحمله روحا بروح تسجله للأبصار في أسلوب ناطق وخفي، ويحده بإطار من شعوره وفيض إحساسه.
فإذا كان هذا قدر المصور الفنان الصادق الأمين. إنسان بالغ النبل نقي الروح زكي النفس عظيم السمو لزم أن يكون أسلوبه الذي يضمنه روحه نبيلاً على قدر نبله سامياً على قدر سموه، ولزم أن تكون موضوعاته التي يختارها لأداء فكرته وحكاية قصته ولشرح عاطفته أو غير ذلك من الأغراض، لزم أن تكون على قدر نبله وسامية على قدر سموه؛ فالفنان الذي يصور البعث أو الوحي أو الصلاة أو الحنان أو الحب أو الأمومة وما يدخل تحت فصل الجمال الروحي أنبل من المصور الذي يصور الحقد والدمامة أو التبذل والوحشية أو الرذيلة للاستمتاع بتصويرها لا للنهي عنها، هذا تدور خواطره على مشاغل الناس اليومية المادية، وذلك لا تتعلق نفسه ولا يحس في قلبه إلا بكل جليل الشأن. ويلي هذين من يعني بتصوير الصغير من الأمور والتافه الحقير كلعب الأطفال وأعمال المهرجين وما إلى ذلك ولا ينبغي أن تضيق هذه الحدود إلى أقصى تخومها فنحكم بمقتضاها حكماً قاطعاً لا نقض فيه، إذ أن الفنان النبيل قد يتناول موضوعاً يقل عن مستوى موضوعاته فيسبغ عليه من روحه ويفضي عليه من قدرته وبراعته، ولكن كثيراً ما يشرئب النقاش الصغير غير الموهوب والمشغول بحقير الأمور إلى تقليد جليلها فلا يبلغ منه مبلغاً ولا يخرج عن