للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

القعساء تستوي الغبراء والدأماء. أعجب الأعداء بهؤلاء الأبطال فوقفوا معجبين ينظرون.

غرق معظم الجند وخرج البطل ببقايا القتل والغرق ليلقى بهم عدواً آخر. فهذا (جودي) أحد أمراء الهند يغير على البطل المرزَّأ لينفيه من أرضه. وهذا جلال الدين على العلات يصمد للمغير فيهزمه، ثم جاءه مدد من جنوده فتقدم في أرض الهند وأقام بها حيث شاء على رغم (قراجه) أمير السند وأيلتتمش أمير دهلي إذ تحالفا وحالفا عليه الدهر.

وما جهد هذا الدهر إلا هزيمة ... إذا نازلت عزم الكرام كتائبه

أتحسب جلال الدين بلغ من الجهد غايته، ومن الجلد نهايته، وقد أعذر إلى المجد والملك والرعية؟ أتحسبه قد فقد ملكه جميعه، وهزم في أرض غريبة فهو حريّ أن يطلب في فجاج الأرض مفراً أو يلتمس في زواياها مستقراً؟ كلا! إنه فقد ملكه ولم يفقد رجاءه، ولا عزمه، ولا إباءه. إن له ملكاً وإن يكن في يد العدو الجبار وإن له عرشاً وإن يكن في ذمة الزمان الغدّار. إن أمامه في عراك الخطوب ثماني حجج تطير فيها بين المشرق والمغرب همته. وتنقله من حرب إلى حرب صرامته. ويسلمه من مصيبة إلى مصيبة حظه.

يشق بين الأهوال طريقه إلى كرمان ففارس فأصفهان فالري. ثم يصمد للخليفة العباسي الناصر فيهزم جنده ويقتل قائده ويسوق المهزومين إلى أسوار بغداد.

ثم يستولي على تبريز ويتخذها دار ملكه، ويغير على الكرج كأن أعداءه ليسوا أكفاء نضاله. وبينما هو في تفليس جاءه نبأ هائل. وناهيك بخيانة الأعوان في حومة الطعان: أنبئ أن براقا الحاجب والي كرمان قد مالأ المغول. فبادر من تفليس إلى كرمان ليعاقبه بخيانته. ثم يرتد من كرمان إلى الشمال ليحارب التركمان والملاحدة فيهزمهم ويجزيهم بما اقترفوا في غيبته. ويشرق تلقاء دامغان ليهزم جيشاً من المغول. ويرجع إلى الغرب حين يعلم إن الكرج تألبوا عليه. فيلتقي الجمعان وتأبى على جلال الدين شجاعته ومضاؤه إلا أن يبارز أبطال الكرج. وقد قتل أربعة من صناديدهم وِلاءً ثم حمل على الكرج فهزمهم أجمعين.

هذه سنة سبع وعشرين وستمائة وجلال الدين يعمل ليؤلف أمراء المسلمين ويضرب بهم هذا العدو المدمر فلا يمهلهم عدوه فيباغته ثلاثون ألفا من المغول فينهزم أمامهم ولكن ليستولي على مدينة كنجة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>