كان إخراجها للناس برهاناً على ازدواج الشخصية عنده وجمعه لعجائب الأضداد
خرافة لافونتين والناس
وكما أن إلياذة هوميروس وأوديسته هما سجل اليونان الحافل، وديوان أدبهم، المحدث في صدق عن معتقدهم، المصور في دقة لنظمهم، ومراسمهم خلال حقبة طويلة من تاريخهم القديم، فكذلك خرافات لافونتين - هوميروس الفرنسي - مرآة صادقة للحياة الاجتماعية في عصر من أحفل عصور التاريخ السياسي والأدبي عند الفرنسيين، ومعبر صريح عن الروح الغالية الساخرة العابثة الفطنة في القرن السابع عشر، إذ أراد فيها لافونتين بتصويره حاشية الأسد وجماعته من الحيوان، مجتمع معاصره لويس الرابع عشر نفسه، بلاطه وشعبه
وأما الصفات التي وزعها على الحيوان - كل بما يوائمه من صفة - كالكرم للأسد القوي، والحيلة للثعلب الماكر المستضعف، والغباء للحمار الأخرق، والطيش للأرنب المستهترة، والرياء للهر المتلون، والغرور للغراب المستغر، إلا صفات إنسانية محضة خبرها في أهل عصره وصادفها في مجتمعه فوصفه بطريقته الخاصة - الجادة إذ عبثت - متلطفاً بالمداراة والتأدب في نقد الناس إذا قدح، متحامياً الملق والتقرب من أي كان إذا مدح. فخلق بذلك عالماً في ظاهره غريب عن الإنسان، وهو في مستسره وكيد الصلة به. فتهيأت من ذلك للصغار فرصة الالتذاذ والتفكه بشؤون هذا العالم الحيواني العجيب والإفادة منه، وللكبار فرصة إعمال الذهن وكدح الخاطر في ربط الصلة بينهم وبين عالمهم واستخلاص الحقائق الواقعية التي أريد بها عصر لويس الرابع عشر خاصة ولكنها تصلح تصويراً أخلاقياً دقيقاً لكل عصره. وبهذا عدت الخرافات في مجموعها ملحمة فرنسا الكبرى فكانت تراثاً أدبياً إذا أضيف إلى الإلياذة والأوديسة والشهنامة وألف ليلة وليلة، أعز جانب الأدب العالمي.
هوميروس الفرنسي والأخلاق
ولكن يصعب على المنقب في هذه الخرافات أن يستخلص منها مذهباً أخلاقياً أو مبدأ مثالياً. فهوميروس الفرنسي قد قنع فيها بتصوير الحياة كما هي فأجملها في قصائد منظومة لا