تحسن حسناً ولا تقبح مرذولاً. وإنما هدفها رسم الأحوال المختلفة وتصوير العواطف البشرية، شرها وخيرها، إذ الأمر يتعلق بوصف الحياة لا بنقدها. فالقوة والضعف والغنى والفقر والشر والخير هذه كلها ألوان ليس للحياة منها بد. بل لا محيد للضعيف عن الخضوع للقوي، ولا مهرب للفقير من استعباد الغني، ولا حيلة للخير مع الشر
فلافونتين إذن لا يختط قواعد أخلاقية تتبع، ولا يبين أغراضاً مثالية تراعى، إذ غرضه إزاحة الستار عن حقيقة الحياة الدنيا بغير أن يتطلع إلى خير منها. فإذا عرض للضعيف المغلوب فغالباً يجرده من معونة الغير ومن القدرة على الأخذ لنفسه. وإذا تكلم عن القوي المظفر حشد في ركابه الدنيا برجلها وخيلها، وهيأ له النصر المحتوم من طبيعة الأمور. وهو يؤيد ما قيل من أن (جوبيتير) مد على البسيطة خوانين: خوانا للمجدودين أصحاب الجاه والنفوذ والقوة قد صفت عليه ألوان شهية من الطعام والشراب، وخوانا للمخذولين الخاضعين، لا يليق إليه إلا بالفضالة والفتات. بل المسألة - فيما ترى - أدهى وأمر؛ فالصغار أنفسهم هم مأكول الكبار القادرين. وأيا ما كان الأمر فالامتثال والإذعان واجب الضعيف للقوي والمسود نحو السيد. وعلى الكلب ألا يجهل من يكون السبع الملك، وأي فضائل تلك التي خص بها دون المخلوقات، ومتى ينبغي توطين النفس على الرضاء بظلمه وحيفه
على أن الحياة كما هي لا بأس بها، والألم فيها على أي حال خير من الموت. فشعار لافونتين - مع هذا - الخضوع المطلق للواقع. وهذا شعار لا يرضي الأراديين وأصحاب الخطة في الحياة
وقد عاب عليه جان جاك روسو السخرية من الضعيف المغلوب. فبالإضحاك على حسابه يدعو إلى الإعجاب بالغالب المختال، ويحث على المظلمة والجور. وذكر أن حكمه وأمثاله ليست من النبل والبطولة في شيء. فكثيرها ينصح بقبول الحياة حتى في أحط الأوضاع؛ ثم ينصح بأخذها بالملق والإذعان والدهاء. وما هذه إلا صفات الخاضع الذليل الذي لا يرجى نفعه
على أن الخرافات في الحق وإن سخرت كثيراً من الضعاف لا تخلو من الإشارة إلى الأخلاق. وكيف لا والسخرية نفسها سياط تحدو إلى التفطن والانتباه حذر الوقوع فيها