يستوعبها من الغفلة والانخذال. وهل أدل على أن لافونتين قد قصد إلى الأخلاق والنصيحة من قوله هذا (ما أردت إلا الإفادة والإرضاء بهذه الصور الوهمية التي أقدمها للعالمين، فالحكاية لمجرد التسلية شيء يبدو لي تافهاً صغيراً)
كلمة ختامية
ولئن كان أروج الأمور - فيما يرى لافونتين - التسليم للأمر الواقع فان ذلك لا يعني عنده الغفلة عن المسرة واغتنام فرص الحياة. فهو - وهو أبيقوري المذهب - جد حريص على أن يهيب بالناس إلى الاستمتاع بمسرات العيش ما أسعفت الحيلة ومكنت الفرصة. فما للإنسان سوى عمر واحد، فإن هو بذل في هم وأحزان، إن كان وضع في الدنيا موضع كد وحرمان، فوالله قد عرى من دهره وحرم نعيم الرضاء بأية حال. فالمرء لا يعدم مع الفاقة والمعسرة والإذعان للسيد المقتدر، غبطة القناعة وسرور السلام. وهل استطعمت السباع التي خلفت وراءها ما فاض من مطعمها مذاقاً غير الذي ذاقته الثعالب في هذا المخلف؟ على أن الدنيا في واقع الأمر دار ضيافة، وليس من عرفان الصنيع في شيء أن تغادرها دون الشكر للمضيف أيا ما كان القرى الذي يتيسر لنا من حكم الأقدار
تلك وأشباهها أراء لم تكن إلا صدى لحياة لافونتين نفسها. فهو قد عاش قرير العين، رخي النفس، لا منفذ إلى قلبه للهم. وكانت له الضياع والعقار في أراضي (شاتوتيري حيث ولد ودرج وشب وعاش حتى الخامسة والثلاثين من عمره - فلم يعن بالإبقاء عليها تحرزاً من غير الدهر وصروف الزمن. فلما صار إلى الفقر نتيجة التبذير والإسراف، آواه بباريس (فوكيه) وزير مالية لويس الرابع عشر، فدوقة أورليان، فمدام دولا سابليير، فهيرفار من بعد، لم يمنعه ذلك من التسليم والرضا، ولم يتأسف على ما لم يعن التوفيق ببقائه؛ بل أطلق لهواه العنان وأخذ بأوفر سهم من لذة العيش قبل أن تولي أيامه وتنصرم مدته. إلا أنه عند دنو الأجل استشعر الندم على ما فرط منه. يتضح ذلك من هذه النبذة التي نختتم بها من كتاب له إلى صديقه الشاعر (موكروا
(ومن الإسراف يا أخي أن تخال صديقك لافونتين مريضاً بالوهم؛ فالذي لا ريب فيه أنه لم يبقى من أجله إلا أيام معدودات، ولشد ما نالت من قواه العلة طوال عامين بتمامها، لم يشد أزره على شدتهما سوى نعمة اختلافه إلى المجمع اللغوي بين الوقت والوقت. ولكن