للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلى اليوم اكثر من رواية غنائية عادية ذات أنغام وأسلوب بسيط قديم، يمكنك أن تتمتع بها على كل حال إذا لم تقف إزائها موقف المتهيب؛ يمكنك أن تنعم بها كما تنعم (بهملت) تلك الرواية المشجية؛ وهي مثل (هملت) تحوي معاني دقيقة بعيدة، معاني لا تدركها أفهامنا. إن بابا كينو صورة مجازية؛ ولكنها من اعظم الصور في جميع روايات العالم؛ انه كل شخص كما كان (هملت)، وإذا كنا نملك مهارة معرفة أنفسنا وجد فيه كلا منافسه؛ وبكلمة أخرى انه ذلك العامل المستولي علينا والذي نحبه في أنفسنا ونحتقره في الآخرين؛ انه ذلك العامل الذي لا نعترف به للحظه، إلا وهو عامل الخوف والاعتزاز والكذب.

قدم موزار اغانيه لسارسترو وبابا كينو، حتى إذا أخذا في الغناء أحسسنا كانا نشاركهما غناءهما، وأي غناء؟! غناء ليس فوق مقدرة فهمنا ولا سرورنا؛ غناء الملاك الذي تعلم لساننا الأرضي وادخل عليه الإصلاح أقام بذلك سماء على الأرض؛ سماء لا تبعد عنا ولا تصعب علينا؛ سماء من غابة مقفرة نقدر فيها أن نضحك بقدر ما نقدر ان نغني؛ سماء تضحك فيها الملائكة منا وتضحك معنا؛ وفي هذا الفردوس الذي خلقه لنا موزار سرعان ما يتحول جلال الموسيقى إلى هزل، وسرعان ما تعود الموسيقى إلى جلالها، وهذا التبدل يظهر دائما طبيعيا. ذلك هو عقل موزار الذي رماه الشعب بالطيش لسبب واحد هو انه وقد أوجد في سمائه مكانا لكل شي لم يوجد مكانا لمجد سليمان المتبذل، أو للعنف والبشاعة والبلادة، لا يوجد في الفن أبداً ما هو اعمق أو اجمل من أصول موسيقى سارسترو. لقد بلغ من وضوح عقيدة موزار أنها تبدو وكأنها ليست بعقيدة وإنما هي مجرد بهاء، مثلها في ذلك مثل القديسين الحقيقيين الذين يبدو عليهم انهم ليسوا من أهل الصلاح بل من أهل الفتون.

وهنالك من الناس من لا يجد في جمال موزار فنا، وسبب ذلك أن جماله جمال حق. هم يحسبون انه احتال على هذا الجمال احتيالا؛ انهم ينشدون صرير الجهود، وينشدون الأنانية؛ لقد بلغ من نقاء جهوده ومن كثرتها أن حسبوها رخيصة لا ترضي إلا العوام.

يصعب علينا أن نشاهد الناي السحرية تمثل تمثيلا مرضيا على مسرح اليوم، ولكنا برغم ذلك سنسر ولا ريب من أي تمثيل لهذه الرواية التي حوت روح الموسيقى، والتي يمكن للمرء أن يرى منها كيف تكون الناي السحرية؛ لقد بلغ من رقة موسيقاها ورقة أنغامها أنها تقدر أن تجدد موسيقى هذه الأيام المسرحية الغريبة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>