للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يمكننا أن نصف تامينو وبانينا كما نصف احسن صور في مجمع فني، وان نتخذ كلا منهما مثالا لأبطال الروايات الغنائية وبطلاتها في كل عصر ومصر، بلى قد لا تنتسب ثيابهما لعالم الحقيقة أو الفن، وقد تعرض نماذج مصطنعة ومنمقة، ولكن الموسيقى تلطف من ذلك وتساعد كل شخص على أن يقوم بدوره احسن قيام. من الواضح أن موسيقى الناي السحرية تجلب السرور وتوافق أولئك الذين ينشدونها فإذا بهم كأنهم يقومون بعمل ديني اكثر مما لو كانوا يقومون بعمل مسرحي، وانك اكثر ما تشعر بذلك عند انسجام الأنغام حينما يتراءى لك أن ريح الفردوس تهب على جميع المغنين فيتمايلون لها تمايل الأزهار بالرغم من ثيابهم الكثيفة. ولكن الناي السحرية مفتقرة إلى عالم متجانس في النظر كما هو متجانس في السمع حتى تظهر بمظهر كامل مرض، ولهذا فنحن أحوج ما نكون لفترة إصلاح تتناول كل عاداتنا المسرحية؛ نضرب لذلك مثلا سارسترو، انه يعيش بين مناظر مصرية، على حين إن هذا العالم المصري لا يناسب الموسيقى وهو يعني لدينا أعاجيب القاعة المصرية، ولكن هنالك عالما مفردا يناسب الموسيقى كل المناسبة، عالما تستطيع أن تمر فيه من العبث إلى الجمال مرورا طبيعيا؛ وفيه تكاد تكون جميع الصور متناسبة وواضحة، ذلك العالم هو العالم الصيني كما عرفناه في الفن الصيني حيث يوجد في هذا الفن الخيال الروحي والهزل البهي؛ حيث يوجد في هذا الفن مزيج من طفولة وقداسة يوحي إلى العين ما تحويه موسيقى موزار إلى الأذن؛ وفي الفن الصيني فقط يقدر بابا كينو أن يكون قديسا: في ذلك العالم فقط تعيش روح موزار بضحكتها وحكمتها، وكأنها في بيتها؛ في هذا العالم تساوت الأزهار وجميع الحيوانات في الخطر مع جنس الإنسان، في هذا العالم يظهر الأفعى والثعبان وكأن كلا منهما مصنوع من ورق مقوى؛ في هذا العالم لا يظهر السحر انه مجرد تعاويذ؛ في هذا العالم يمكن للمرء أن يقع على مناظر طبيعية وصور جميلة؛ وفيه لا يكون سارسترو ساحرا مسرحيا بل كاهنا كنسيا.

في الحق إن الفن الصيني هو عالم الناي السحرية حيث تتدلى الأجراس الفضية من كل شجرة مزهرة، وتزدحم الحدائق بالبلابل الساحرة؛ هو عالم الحماسة والتأمل، حيث يجلس الحكيم في السرادق في ضوء القمر، ويبتسم ابتسام عاشق، وحيث يبتسم العشاق كالحكماء. . حيث يوحي كل شي للعين ما توحيه موسيقى موزار للأذن. وفي العالم الصيني يمكننا أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>