للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نتجنب كل تشدق في الغزل الشهواني اعتاد أن يلفظ به المسرح الحديث؛ كما يمكننا أن نخضع أنانية أوربا الثقيلة للشرق المنكر لذاته.

لقد تمرس موزار بالألم، ولكنه لم ينغمس في؛ انه يعني بجمال العالم اكثر مما يعنى بجمال نفسه؛ عنده أن الشر من عمل الشياطين الذين تقدر الموسيقى على طرد أرواحهم.

لقد كان موزار اورفيوس هذا العالم الذي يستطيع إن نحن أصغينا إليه أن يذلل الحيوانية الكامنة فينا جميعا؛ ومع ذلك فان أقصى وقاره ومنتهى سر جماله إنما هو في رحمته التي وسعت كل شي؛ وهو حين يترحم علينا أو على نفسه لا يأخذه البكاء، بليطلب إلينا أن نجفف دموعنا وان نكون من الصالحين، وان نصغي لنايه السحرية.

وهذا الحنان الذي ينبعث من أصواته خلال الناي السحرية يبعث في الناي السحرية جمالاً وهزة وعجبا، لا يمكن أن تبعثها أية عاطفة إنسانية. سارسترو ليس بساحر، إن هو إلا قسيس، لأن فيه حكمة الرحمة المحببة، ولأنه خصص مكانا في فردوسه لبابا كينو ابن الطبيعة يلهو فيه مع صاحبته بابا كينا. مرت ببابا كينو وهو في فردوس سارسترو الموحش لحظة فكر فيها أن يشنق نفسه، لأنه لم يجد من يشاطره الحب، ولكنه لا يكاد يضع حبل المشنقة على عنقه حتى تسمع في الموسيقى قهقهة تنبئك انه يتململ من حبل المشنقة؛ ولكن سرعان ما تقدم إليه بابا كيناوسرعان ما يعود إلى الفردوس انسه، ويأخذ الاثنان في غناء دورهما في نهاية الرواية.

نحن على يقين بان عدالة الناي السحرية قضت ببراءة ملكة الليل؛ والزنجي البشع وجميع معاونيه؛ لم يعاقب منهم احد؛ لقد شقوا لغير ما سبب؛ فجاءوا نادمين مستغفرين؛ وهكذا تنتصر الناي السحرية على شرورهم وشقاواتهم، فتدق الأجراس الفضية من كل شجرة؛ وتغني البلابل غناء يخلب الألباب، ويبتسم الحكماء والمحبون ابتسامة الأطفال، فتدخل ابتساماتهم دخولا طبيعيا في دين موزار المقدس؛ هذا الدين المهيب الذي تالف فيه الابتسام والعبوس، ولم يتنافرا تنافرهما على الأرض.

بشير الشريقي المحامي

<<  <  ج:
ص:  >  >>