للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلى مجد روما ومجد القياصرة، فتتصور بعث الدولة الرومانية بكثير من حدودها وأملاكها القديمة، وتتجه أيضا إلى إحياء الفضائل والخلال الرومانية القديمة؛ وهي اليوم افضل مما كانت عليه بكثير من حيث الأخلاق والهمم والثقافة. وأما في تركيا فان العاطفة القومية تبلغ بالشباب حد التعصب الأعمى، ومع أن الشبيبة التركية لا تتمتع بدرجة محترمة من التعليم والثقافة، فإنها مع ذلك شديدةالكبرياء والغطرسة تتصور أنها سيدة الشباب في العالم كله، وأنها على حداثة عهدها بالمدنية الأوربية وضالة ثقافتها تضارع أرقى شباب أوربا ذكاء وثقافة ومدنية، وليس هذا بغريب في بلد يدعي زعماؤه انه هو مهد الحضارات البشرية، وان لغته (أي التركية) هي اصل اللغات البشرية، ويحسبون أن ما اسبغ على تركيا الجمهورية في أعوامها القلائل من قشور المدنية الأوربية يكفي لوضعها إلى جانب اعظم الأمم رقيا وحضارة.

هذا وأما عن حركات الشباب في الأمم الإسلامية والعربية فلا نستطيع أن نبسط القول، ومن الأسف انه لم تنتظم في أممنا الإسلامية والعربية حركات منظمة قوية من الشبيبة. نعم قام الشباب في مصر وفي البلدان العربية بحركات متقطعة، واشتركوا في الحركات القومية، وكان لهم فيها يوم قيامها اكبر الأثر. ولكن هذا العمل القومي لم يكن منظما ولا مستمرا، ولم تدعمه من الناحية الأخرى تلك المزايا القومية والأخلاقية التي ننشدها. ومن الأسف أيضاً أن شباب الشرق يتأثر من آن لآخر بنزعات الشبيبة الأوربية، فيحاول أن يقلدها تقليدا أعمى. مثال ذلك ما أذيع من أن شباب بعض البلدان العربية يحاول أن يقتبس من مبادئ الحركة الهتلرية، مع أن الحركة الهتلرية هي من اشد الحركات الحديثة نزعة إلى الاستعمار، وابلغها عداوة للحرية، واشدها احتقارا للأمم الشرقية؛ فمن الواجب على شبابنا أن يسترشد في حركاته وأمانيه بالظروف المحلية والغايات القومية قبل كل شي، ومن الواجب أن يعمل ولكن في روية واستنارة؛ ومن الواجب أن يسترشد دائما بمحن الوطن وماضيه المجيد في تغذية العاطفة القومية، وأن يكون شعاره العمل الرزين المنظم في سبيل الأماني القومية.

محمد عبد الله عنان المحامي

<<  <  ج:
ص:  >  >>