خلاله ومبادئه الأخلاقية، وتعويده على الحياة الخشنة العملية، وتدريبه على احتمال المشاق، والاعتماد على النفس، فهي تنشئه من هذه الناحية نشأة إسبارطية حسنة؛ وأما من الوجهة القومية فان لها كل الفضل في جعله جنديا متحمسا من جنود الوطن، فهي تحشده باسم الوطن أولاً وتذكي في نفسه حب الوطن وكل ما يتصل به، تاريخه وماضيه، ومدينته، وربوعه، وخواصه، ثم تبعث إليه حب المثل القومية التي تجيش بها الزعامة السياسية وتدخره لتحقيقها، وتذكي في نفسه العزة القومية إلى أقصى حدودها؛ وتحميه من أخطار المبادئ الشيوعية والثورية الهدامة، أو بعبارة أخرى تتخذه درعا لحمايتها منها. ولا يستطيع منصف أن ينكر ما لهذه التربية الأخلاقية والقومية من المزايا البديعة. على أن هذه الحركات تذهب أحياناً إلى حدود بعيدة، وتركب متن الإغراق في تصوير العواطف والغايات القومية، ففي ألمانيا مثلا تبث الاشتراكية الوطنية في نفوس الشباب نزعة قومية مغرقة تذهب إلى حد الأحقاد الجنسية؛ وشعار الاشتراكية الوطنية (الهتلرية) في هذه الناحية أن الجنس الألماني هو خير الأجناس البشرية، وانه يتفوق عليها جميعا بمواهبه وخواصه، وتستتر الوطنية الاشتراكية وراء التفرقة بين الأجناس الآرية والسامية، وتعلم الشباب والشعب الألماني جميعا أن الجنس الآري (ويجب أن نقرا دائما الجنس الألماني) هو اجدر الأجناس بإنشاء المدنيات، وان الشعوب السامية والآسيوية كلها شعوب هدامة للحضارة يجب أن تستعبد وان تستغل لمصلحة المدنية الآرية والجنس الآري؛ وتنظر الشبيبة الألمانية اليوم إلى جميع أمم العالم من عل وتتوغل في الأحلام المغرقة، وكان من آثار هذه المبادئ المغرقة التي تبثها زعامة محدثة متطرفة لا تتمتع بشي من المواهب الممتازة أن وقعت تلك الحوادث والمناظر الدموية المثيرة في ألمانيا باسم خصومة السامية ومطاردة اليهودية؛ ومن الأسف أن هذه المبادئ المغرقة تهيمن اليوم على الثقافة الألمانية كلها. وقد شهدنا بأنفسنا آثار الفاشستية في إيطاليا واثار الثورة الكمالية في تركيا، فأما في إيطاليا فان الفاشستية تغذي العاطفة القومية بقوة، ولكن في نوع من الرزانة وحسن التوجيه. وقد تحمل الشبيبة الإيطالية بعيدا في كبريائها وأحلامها، بل تذهب أحياناً إلى حد التعصب والخشونة. ولكنها لم تذهب قط إلى تلك الحدود المغرقة التي انتهت إليها الوطنية الاشتراكية في ألمانيا. وتتجه الشبيبة الإيطالية اليوم ببصرها إلى ماضي إيطاليا المجيد،