للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بين دول العالم تستفيد منه تجارتها. . . إن بلاداً هذا شأنها يجب أن تنمو ثرواتها العامة والخاصة بشكل يضمن لها استقلالها الاقتصادي، حتى يصبح لها اعتبار في الأسواق العالمية يمكنها من تسخير مالها الوافر لتشييد صرح نهضتها الشامخ. إن أمة أسبغ الله عليها هذه النعم لا يجوز أن تعيش عيشة المتكل الكسول الذي يكتفي من زمانه بلقمة حقيرة يطعمه إياها من هو غريب عنه: يطعمه القليل بيده اليسرى ويتناول الكثير لنفسه بيده اليمنى، ولن يقضي على هذا الاتكال غير الاتحاد.

وأما من الناحية السياسية، فالأمة العربية ضعيفة في أجزائها قوية في مجموعها. ومن درس التاريخ استنتج أمرين: الأول أن حياة الأمم الصغيرة قصيرة، والثاني أن البلاد العربية - وهي حلقة الوصل بين الشرق والغرب، والجسر الذي تتبارى الدول للاستيلاء عليه - لم تنجح في رد المعتدي إلا عندما كانت متعاونة على دفعه، كما أنها لم تنل حظها من العظمة إلا بالاتحاد. ولذا فلن يبقى للدول العربية الحالية وجود مستقل، ولن تنمو وتتقوى إلا بالوحدة العربية، لأنها عاجزة عن الوقوف، منفردة في وجه الطامع.

هذه حقيقة الفكرة العربية القومية وهذه دوافعها، ومتى أوضح أنصارها مراميهم الآنفة الذكر قضوا على كل اعتراض، لأنها فكرة صحيحة تدعمها الحجج والبراهين القوية. ومع ذلك فإن بعض القوميين المتطرفين يسيئون إلى الفكرة الأصلية باندفاعهم الطائش ولجوئهم إلى نظرية لا لزوم لها، ألا وهي نظرية الدم. فالمناداة بالفكرة القومية المستندة إلى أساس العنصرية الضيقة لا يزيد المبدأ القومي قوة وإنما ينفر بعض العناصر التي تعيش في الأقطار العربية ولكنها لا تنتمي إلى أصل عربي. هذا فضلاً عن أن نظرية الدم فاسدة من أصلها وخصوصاً في الأقطار العربية وذلك بسبب الموجات البشرية التي اكتسحتها في شتى العصور مما أدى إلى اختلاط الدماء حتى بات إرجاع الأفراد إلى أصلهم الحقيقي أمراً يكاد يكون - في الغالب - في حكم المستحيل. إن الأقليات العنصرية الموجودة في البلاد العربية قادرة على تعطيل سيرنا إذا عوملت معاملة الغريب المحروم الاشتراك معنا في تحقيق أهدافنا بدرجة ما هي راغبة في التعاون معنا إذا أدركت القصد الحقيقي من الفكرة العربية، واطلعت على الفوائد الجمة التي ستجنيها هي من جراء اتحادها بأمة متحدة قوية. فلنكن مخلصين ولنبدد مخاوفها التي يغذيها المستعمر. علينا أن نؤكد لها أننا لا نريد القضاء

<<  <  ج:
ص:  >  >>