إن هذه الزيارة لا تليق بطالبة شريفة، فاخرجي حالاً!). . . وفتحت الباب وأغلقته خلفها، وتم ذلك كله في دقيقة!
ولما خرجت ندمت. . نعم ندمت. . وعاد الشيطان يوسوس لي، وضاق بي المنزل حتى كأني فيه محبوس في صندوق مقفل، ولم أعد أدري ماذا أصنع، وأحسست أني أضعت كنزاً وقع إلي، وتغلبت غريزتي، فأخفت صوتها صوت الدين والعقل، وأحسست توتراً في أعصابي، حتى وجدت الرغبة في أن أعض يدي بأسناني، أو أضرب رأسي بالجدار، وعدت أتمثل حركاتها ونظراتها. . . فأراها أجمل مما هي عليه، وأحس بها في نفسي، فكأني لا أزال أشم عطرها، وأرى جمالها، بل لقد مددت يدي لأمسك بها، فإذا أنا أقبض على الهواء، وخيّل لي الشيطان أن هذه البنت لم تعد تستطيع البصر بعد أن أذكى هذا النظام المدرسي نار غريزتها، وأنها ستمنح هذه الـ. . هذه النعمة رجلاً غيري. . فصرت كالمجنون حقاً، وحاولت أن أقرأ ففتحت كتاباً فلم أبصر فيه شيئاً إلا صورتها، وأردت الخروج فرأيتني أنفر من لقاء أي من أصحابي كان ولا أريد إلا إياها، وحسدت إخواني المدرسين الذين لم يتربوا مثل تربيتي الصالحة، فتمنعهم من الانطلاق في هذه اللذائذ انطلاق الذئب في لحم القطيع الطري!
والعفو يا أستاذ إذا صدقت في تصوير ما وجدت، فأنت أستاذي أشكو إليك، وأنت الرجل الأديب قبل أن تكون الشيخ والقاضي، فقل الآن ماذا أصنع؟ إني تركت التدريس واشتغلت بغيره، ولكني لم أستطيع أن أنساها، ولو أنا أردت وصالها لقدرت عليه ولكني لا أريد، فماذا أصنع يا أستاذ؟ لقد حاولت الزواج، فرأيت الأب الذي لا يكاد يمنع أبنته حراماً لا يمنحها حلالاً إلا بمهر وتكاليف يستحيل دفعها على مثلي، فأيست من الزواج، فماذا أصنع؟
ماذا يصنع يا أيها القراء؟ قولوا، فأني لم أجد والله ما أقول!