للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

صوتها رنة. . يا لطيف. .! فوقفت لها فجعلت تدنو مني حتى شعرت كأني ألامس. . ألامس ماذا؟ لا أجد والله شيئاً أشبهها به، لأنه ليس في الدنيا شيء آخر له مثل هذا التأثير. . فهربت منها وأسرعت إلى الدار، وحرصت على ألا أدعها أو أدع غيرها تفعل مثل هذا!

وكنت أكتب الدرس في كراس وأدفعه إليهن لينسخنه، فهو يدور عليهن، فلما كانت نوبتها عاد إلي الكراس وفيه هذه الأبيات لعلي بن الجهم:

نطق الهوى بجوى هو الحق ... وملكتني فلينهك الرق

رفقاً بقلبي يا معذبة ... رفقاً وليس لظالم رفق

وإذا رأيتِك لا تكلمني ... ضاقت عليّ الأرض والأفق

مكتوبة بخطها منقولة من (المنتخب)، فمحوتها وكتمت الأمر، وعقدت العزم عقداً مبرماً على ترك التدريس، وخرجت من الفصل بهذه الهزيمة، وكان في الساحة تلميذات فرقة أخرى في درس الرياضة، وقد اصطففن بالشلحات، كاشفات الأفخاذ والأذرع، راسخات النهود، يقفن كذلك بين الرجال (والمعلمون كلهم رجال). . فكبر رأسي وأسرعت إلى الشارع، وقد حلفت ألا أعود ولو مت جوعاً، وبعثت بكتاب الاستقالة!.

ومرت أيام وكنت وحدي في الدار - وأنا وحدي دائماً ليس لي زوجة ولا قريب - فإذا الباب يقرع، فقمت ففتحت وإذا بها تدخل علي، وتغلق الباب وراءها، وترفع الغشاء عن وجهها، وتلقي المعطف عن منكبيها، وكأن تحت جلدها الأبيض المورد الناعم انهاراً من الدماء تجيش الرغبة. . مثل الشلالات المتحدرة، وجلست أمامي كما تجلس أمام زوجها. . وقعدت تحدثني تطلب درساً خصوصياً، وعيناها تحدثانني تطلبان غير الدرس. . ولست يا أستاذي رجل سوء ولا أليف دعارة، ولكني رجل على كل حال. . فلما رأيتها في داري. . وتحت يدي. . والباب مغلق. . وهي تريد. . ملكني الشيطان. . ورأيت الدنيا تدور بي، ولما حاولت أن أتكلم اختنق صوتي ثم خرج وفيه بحة غريبة كأني أسمع معها صوت إنسان آخر غيري، وهممت يا أستاذ. . ولكن صوت الدين رن في أذني، ينادي لآخر مرة كما يصرخ الغريق آخر صرخاته. . فاستجبت له. . ولو أعرضت عنه لحظة لضاعت هذه الفرصة إلى الأبد، ولخسرت أنا والبنت الدنيا والآخرة من أجل لذة لحظة واحدة. . ولم أتردد بل قلت لها بصوت بارد كالثلج، قاطع كالسيف، خشن كالمبرد: (يا آنسة، أنا آسف،

<<  <  ج:
ص:  >  >>