فشعرت أن هذا التوافق المصادف إشارة موافقة من الأقدار على فكرة الكتاب! ولقد ظل هذا الإعلان ينتظر في الأهرام دوره في النشر ما يزيد على شهر حتى أتى ذلك اليوم. ولو خيرت ما اخترت غير هذه المناسبة للإعلان ولو تأخر شهوراً أخرى. . . ولو طولبت بأجر على ذلك التأخير وتلك الموافقة التاريخية لدفعته عن طيب خاطر؛ فإنه ليس بالقليل أن ترى الأقدار تؤنسك بلفتة من لفتاتها وتتطوع لتصديق رأيك بتقديم دليل جديد يؤيدك وأنت في شك مما سيقابلك الناس به غداة الإعلان على رؤوس الأشهاد عن قضيتك:(أومن بالإنسان)!
وحسبك من جزاء على التبشير بمستقبل الإنسان في زمن الشك والجحود به أن ترى أو تسمع كلمة تصديق وتشجيع ينطق بها ناطق الزمان فجأة وعلى غير انتظار!
وإنه لنصر في أول الطريق يثير الشجاعة إلى المضي إلى آخره حيت تحس أن الكون معك بهتافاته وإرهاصاته!
وإن القضية التي يعلن عنها وتدخل إلى الأذهان مع صدى ذلك الطارق الجبار العنيف الذي تنسف القدرة الإنسانية به مدينة في لحظة تترك عاليها سافلها، لقضية ينبغي أن تكون أسلوباً جديداً من أسلوب تجديد الدعوة الدينية، دعوة إقرار القيمة العليا التي للوجود ورب الوجود وخليفته في الأرض!
إن خطوات الفكر الإنساني في مجالات العلم السرية والجهرية خطوات متلاحقة تطالعنا بها الصحف والمجلات مع كل صباح، ولكن طي الأبعاد والمسافات الشاسعة في سرعة بالجسم البشري الثقيل، رهين الأحباس والقيود بطيران يخترق حجاباً وراء حجاب، ويركب طبقاً عن طبق فوق الباب والسحاب والتراب، وبين المناطق المتضادة الجواء، وعند قمة الأرض في قطبها الشمالي، حيث البقاع التي يعمرها السكون الموحش والصمت المطبق والمناطق البكر والسهوب الثلجية التي تتجمد فيها الحياة وتضل فيها خطرات الظنون والأوهام - يجعل أمر اليوم الذي حمله زورق الأحلام أمراً خطيراً كبيراً يراه العوام قبل الخواص، فيشعرون جميعاً أن هذا هو المجال الأصيل للجهد الإنساني كله لو عقل الناس!
أيها الزورق العابر مناطق الجو وفضاء النفس البشرية! القاهر لما في الآفاق من سدود وعوائق، ولما في النفس من شكوك وقيود تقعد بالإرادة البشرية عند العجز القديم الذي يقعد