ببني الإنسان عن أن يبلغوا غايتهم من السيادة التي أرادها لهم خالقهم حين ينبههم كل يوم إلى أنه ليس هناك باب في الطبيعة مكتوب عليه (ممنوع الدخول) إذا ما كان في أيديهم المفتاح!
لقد كانت حمولتك أيها الزورق من أحلام البشرية العالمة الراصدة أضعاف حمولتك من ثقل الحديد والفولاذ الوقود وأجسام ملاحيك!
ولقد سلمت تلك الأحلام من الارتطام بصخور العجز والشك والوهن والكسل عن الاقتحام حين سلمت أثقالك من الارتطام بصخور الأرض!
وأن اليد الإلهية التي حملتك وسددتك إلى غايتك من غزو المجهول وكشف المستور وتصحيح المغلوط، إنما هي يد تشير بالموافقة وتلوح للقاعدين على التراب أن هبوا ويحكم أيها النوّام إلى السحاب، ولا تقعد بكم عقائد الجهل ومثبطات الهمم عن محاولة الانطلاق وراء أحلامكم الطليقة ما دامت لا تبطل حقاً ولا تحق باطلاً
وما كانت عبثاً تلك الطاقات المذخورة التي عشتم بها أيام العجز القديم، ورفرف بها خيالكم حول عالم القدرة والحرية. .
أجل، ما كان ذلك عبثاً، وإنما كان إعداداً لهذا الحاضر، وتدريباً باللعب على مستقبل حياة الجد والاكتمال، وإرهافاً للعزائم والإرادات، ودفعاً لها إلى أن تحاول تحقيق الأحلام في عالم اليقظة!
أيها الزورق! لقد ألقيت بحمولتك من الأحلام التي حملتها من تلك الجزيرة التي كانت مجهولة غائبة في المحيط الأعظم إلى أرض النيل التي عرفت في دفاتر التاريخ إنها أول أرض حاول الإنسان فيها تحقيق الأحلام وتجسيم الآمال، وحبت الإنسانية على عتباتها ودرجت وخطت إلى بعض غاياتها الآلاف الأربعة قبل الميلاد، فكأن هذه الرحلة عبور لطريق الحضارة الإنسانية من آخرها في أمريكا إلى أولها في مصر. .
وكم ذا من الآماد بين الأمس البعيد واليوم! وكم من جثث الرواد الذين عبدوا هذا الطريق مطروحة على حافتيه! وكم رأى هذا الطريق من وجوه تطلعت في نهاياته البعيدة فهالها بعد الشقة فقعدت حيث ولدت إلى أن ماتت ودفنت في حفر وأغواره! وكم قرعته أقدام القافلة الإنسانية في وقع رهيب وزحف ودبيب، وصلصلة قيود وأصفاد جعلتها تسير ثقيلة