ولا يبالين بالأزهار البرية الجميلة التي نبتت بجوار الأشواك، إذ هن مشغولات بجمع ما يجلب ثمن الخبز. . . إن الأزهار لا توقد ناراً فلا وزن لها في أيديهن وأعينهن. . .
هنا أمل وعمل من آمال القلوب وأعمال الأيدي يا أرباب الفكر!
هنا ملمس من ملامس الدنيا يا ذوي العيش الرافه الناعم. يا جامعات الزهور من روضات القصور. صافحن الأيدي الخشنة لأخواتكن جامعات الأشواك بأيديكن الناعمة. . . فتلك أيضاً صدقة!
١٦ - قذارة عليها طهارة
رأيت قذارة عليها أشعة الشمس! طهارة وصفاء يتنازلان إلى عالم النجاسة والكُدْرَة. . . الطهارة تمد يدها إلى النجاسة لتطهرها وترفعها إليها. . . العالي ينظر إلى السافل نظرة راثية مسعدة منقذة ولا يخشى أن يتلوث ويتسفل.
وضعت رأسي مرة بين الأعشاب مستلقياً، فغطت الحشائش وجهي، ونظرت السماء من خلالها، فرأيت مقطعاً من مقاطع الدنيا في بعض الأحياء الضئيلة القميئة. . .
نظرت الدنيا نظرة حشرة من تلك الحشرات التي تختبئ في الأعشاب. . .
صار كل شيء عظيماً جداً في عيني، حتى هذه الأوراق الصغيرة صارت في زيغ البصر كالجبال الشاهقة التي تناطح السحاب. . . وخيل إليّ أني في غابة هائلة كثيفة مظلمة. . . ورأيت الفرق الهائل بين الدنيا في نظر إنسان والدنيا في نظر حشرة وكل حي له دنيا رهينة بحواسه وهندسةِ وَضْعِه وقامَتِه.
فلو سجد بعض المتكبرين المتغطرسين برءوسهم إلى حيث يضعون إقدامهم لتغير نظرهم للحياة ولأنفسهم وللناس. . .
١٨ - مفارقات
سقطت فَرَاشةُ على زهرة؛ وسقط جُعَلُ على بَعْرَة، وسقطت عيناي عليهما!
كان كل منهما في شغل بعالمه عن عالم الآخر، ولكن قلبي كان في شغل شاغل بعالميهما. .