الجانب الخلقي من الحياة المصرية فكان على شوقي بحكم هذه الاعتبارات، ولأنه لا يريد أن يباعد بينه وبين محبيه أو ينفر منه القلوب التي أجلسته على عرش الإمارة، وزانت جبينه بتاجها، ألا يعرض لهذا الموضوع فيما ينشر على الناس إلا مترفعاً متأنياً حذراً غاية الحذر.
ويتخذ شعر شوقي عن المرأة صورتين. منفصلتين لا تقارب بينهما: أما الصورة الأولى فهي تقليده لمن سبقه من الشعراء، إذ يفتتح قصائده بالنسيب الذي اعتاده الشعراء القدامى، كما في قوله من قصيدته (لبنان)
السحر من سود العيون لقيته ... والبابلي بلحظهن سقيته
الفاترات وما فترن رماية ... بمسدد بين الضلوع مبيته
الناعسات الموقظات على الهوى ... المغريات به وكنت سليته
القاتلات بعابث في جفنه ... ثمل الغرار معربد أصليته
الشاهرات الهدب أمثال القنا ... يحيى الطعين بنظرة ويميته
الناسجات على سواء سطوره ... سقماً على منوالهن كسيته
ثم يقول فيها:
إن قلت تمثال الجمال منصباً ... قال الجمال براحتي مثلته
دخل الكنيسة فارتقبت فلم يطل ... فأتيت دون طريقه فزحمته
فازور غضباناً وأعرض نافراً ... حال من الغيد الملاح عرفته
فصرفت تلعابي إلى أترابه ... وزعمتهن لبانتي فأغرته
فمشى إلى وليس أول جؤذر ... وقعت عليه حبائلي فقنصته
في هذه الأبيات الأخيرة بين لنا شوقي طبيعة المرأة عندما يتقرب منها الرجل طالباً ودها فتتمنع وتظهر الإعراض والصد حتى إذا رأته ينظر إلى غيرها أو يحادث إحدى صويحباتها ثارت غيرتها، وطامنت من كبريائها، وحاولت هي التقرب منه حتى لا تظفر به غيرها.
وشيء آخر يظهر لنا من هذه الأبيات، وهو معرفة شوقي لمواطن الضعف عند حواء، وكيف أنه يعرف متى يقبل عليها ومتى يعرض عنها.