للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

اجتماعي يعرض مشكلات حياتنا ويصور أمانينا ورغباتنا في الإصلاح، ويوقظ أفكارنا الراقدة ويثيرها إلى مطالب المجد والشرف والصلاح والحرية، فلن يكون في طلبه هذا اعتداء من النقد على الفن ولا تقييد له ولا حمل له على السير في طريق آداب الأمم الديكتاتورية الحالية، وإنما هو طلب معتدل لا يرضي الغلاة من محبي الإصلاح السريع الذين قد يرون من الواجب في حياة أمة مثل أمتنا لم تحقق جميع ضروريات حياتها الاجتماعية والسياسية ولم تتحرر تحرراً كلياً من وصايات جائرة أن يكون معظم أدبها وفنها موجهاً وموحياً بالكفاح في سبيل حريتها، وتصحيح أوضاعها الأساسية في السياسة والاقتصاد والأخلاق، وأن يرسم لذلك المنهج الذي يصح أن يكون في هذا الدور، فإن الجهاد للأحياء الأشقياء العبيد الذين لم يدركوا بعد حقوق الحياة ومبادئها الأولية أولى من الجهاد للفن الخالص على ما فيه من لذة وانطلاق وفلسفة وشعر وترف

إننا نكون أناساً غير طبيعيين حين نفرط في الاستمساك بحقوق الحياة والحرية ونتهاون فيها، ثم نأبى إلا الاستمساك بحقوق الفن في حريته وانطلاقه.

نكون كالفرنسيين الذين جنت عبادتهم للفن وآثاره على كرامتهم السياسية والقومية حين أخذهم الذعر على مدينتهم باريس، فسلموا للألمان حين وصلوها إبقاء على ما فيها من مخلفات الفن وآثاره. وكلما وازنت بين صنيعهم هذا وصنيع الإنجليز بتعريض لندن لجماعات الطير الألمانية تفجؤها بالهدم صباح مساء في أسلوب جديد من الحرب المطلقة المجنونة التي لا عهد للناس بها، فلم يبالوا بما أصاب كنوزها الفنية وآثارها التليدة والطارفة من الهدم والحرق في سبيل إنقاذ حريتهم وكرامتهم وشرفهم القومي، وفي سبيل سلامة الروح من التعبد لغير الحرية والتغذية - أقول كلما وازنت بين صنيع هؤلاء وهؤلاء أدركت الفرق العظيم بين روح الأمتين. وبين العقلية الأنجلوسكسونية واللاتينية على العموم

فالعقلية الأول عقلية أحسنت التلقي عن الطبيعة في تقويم الحقائق والأشياء، فهي تحافظ على آلات الحياة الأصلية التي تكفل حق العيش وحق الحرية قبل المحافظة على أي شأن آخر. وقد نسيت في ساعة المحنة والشقاء والجد هوايات الترف والكماليات، وضحتها خوف أن تضحي ما هو أعظم منها. . . هدمت لندن لتنقذ ما هو أعظم من لندن، وهي

<<  <  ج:
ص:  >  >>