الروح الإنجليزية! وهو درس عظيم أعطته إنجلترا للعالم جميعه في هذه الحرب. . . أعطته لأعدائها وأصدقائها على السواء فانتفعوا به ولن ينسوه!
أما العقلية اللاتينية في دورها الحاضر الذي ابتلى المصريون بجوارها فيه وذيوع ثقافتها فيهم. فهي عقلية لم تحسن التتلمذ على الطبيعة في تقدير لباب الأشياء، بل تستهويها حياة القشور المزوقة والثرثرة والجدليات والاستعراضات المسرحية والانطلاق وراء النوازع والشهوات، والتحلل من قيود الاجتماع بحجة الحرية الفكرية. وإنما هي في الواقع حرية طباع لا حرية أفكار. فهي عقلية يسهل استهواؤها واستفزازها وزعزعتها، لأنها لم تستند إلى طبع ركين يستمد من الطبيعة أسلوبها في تقويم الأشياء وتقديرها، وتقديم الأنفع على النافع، وتضحية الفروع محافظة على الأصول. . .
ذلك هو تقدير الطبيعة والحياة الصادقة الناجحة للفن وآثاره. وهو تقدير موزون ليس فيه تقتير ولا إسراف. هو تقدير في الواقع خاضع للمنفعة والجد في خدمة الأغراض الأصلية للحياة. لا للترف ولا للهزل، ولا لإرسال قوة الخلق على هوى طليق أو جموح.
وليس الفن البشري كله مع الأسف سائراً مع هذا الاتجاه. بل منه ما هو سائر معه، وهو أسمى درجاته. ومنه ما يفسد غايات الحياة ويشترك في تعطيلها وتقويض كيانها في النفوس، وهو أحط دركاته. . . ومنه ما لا فساد معه ولا ضرر منه، وهو ما يفيض لإرضاء عبقرية الخلق المودعة في الإنسان، أو لإظهار المهارة والذكاء، أو لتزجية الفراغ وتسلية المجتمع. وهذا فن لا بأس من كثرته في الأمم التي فرغت من إقامة حياتها على دعائم العدالة والقوة والحق
وإذ ثبت أن الحياة الجماعة من القيمة والاعتبار ما تستحق معهما حياطتها والمحافظة عليها من عوامل الهدم والبلبلة والانتكاس التي تسببها النزعات الفردية والاستبدادية في السياسة - وهي فن الحكيم - فلا جدال حينئذ في أن للجماعة الحق في فترة من فترات حياتها أن توجه الفن بلسان النقد إلى الوقوف عند حد ما فيما ينتجه، حتى يكون منسجماً مع منطق الطبيعة، أو أن تلزمه على الأقل الوقوف دون حدود الفساد، والضر الذي يبلبل الأفكار ويشوش على الإحساس الصادق بالحياة.
وإن قوة السخرية في نفس فنان أو تشاؤمه أو إباحيته أو شذوذه قد توحي إليه بصور فنية