تثير دهش الناس وعجبهم، ولكنها قد تزلزلهم وتفسد عليهم ألفتهم بالحياة، وائتناسهم بمثلهم العليا، أو تأخذهم إلى حياة اللذة والجموح الذي لا تحتمله الحياة العملية، أو تبحث لهم عن الصور الشاذة في الحياة، أو تخلق لهم تلك الصور وتحملهم على تقليدها بطريق الإيحاء.
ومن هنا يجب التيقظ للأعمال الفنية، لأنها أخطر أنواع الثقافة وأشدها تأثيراً، وأوسعها حيلة في استهواء الناس، وأعظمها انتشاراً بين الجماهير
والفنان الكامل لا بد أن يكون في فنه نوعان من الإنتاج: نوع فردي يجري فيه على طبعه المتفرد الخاص المعتدل وذاتيته الممتازة، ونوع اجتماعي يجاوب فيه الأصداء الاجتماعية التي تتداول سمعه وسمع الناس في عصره. وبخاصة إذا كان مجتمعه مشوشاً ناقصاً يحتاج إلى تكميل وتنظيم، وما يد أن يكون هذان النوعان من الإنتاج في آثاره. وليس في هذا إعنات من المجتمع له وإنما هو تنبيه له وتوجيه إلى الآفاق التي يستمد منها عوامل كمال فنه يؤدي منها ضريبته الأدبية
وليس بصحيح أن الأثر الفني الذي أنتج في مناسبة اجتماعية بعينها وكان مستوفياً شروطه الفنية في الصياغة والحبكة والإخراج يفقد تقديره ووقعه بزوال مناسباته وانقضاء عصر أشخاصه، كما توهم الأستاذ توفيق الحكيم حين قال عن إبسن إنه كاد يهزأ النقد به وبآرائه في السياسة والمجتمع لولا فنه، وأنه قد مات فيه المصلح وبقى الفنان
ليس هذا بصحيح لأن (التاريخ) له خطه في التقدير، ولأنه يظل تاريخاً حياً كل العصور ما دام الفن قد استطاع أن يضفي عليه من الحركة والحياة ما يضمن لشخصياته الوجود الخالد في ذهن القارئ وخياله. وليس لصحة الآراء أو خطئها باختلاف العصور أثر كبير في التقدير ما دام الشرط الأساسي وهو بلاغة الفن قد تحقق
فلن يغمط حق الفنان المصلح الذي جرد نفسه لخدمة مجتمعه وأراد قيادته نحو الكمال ولو تغير عهد الناس ورأيهم في آرائه الإصلاحية إلا إذا ذهب التقدير الفني للتاريخ الخالص، وإلا إذا أهدرت قيمة جهاد الطفولة البشرية وخطواتها المتعثرة الأولى نحو الرشد ونشدان الكمال
وإذا كان الفنان يملك قوة الإنتاج الذي يهدي أمته ويسددها نحو الكمال ويأخذ بيدها في عهد الانتقال. ويملك أيضاً قوة الإنتاج في الأدب الإنساني الخالص، ثم يعرض عن النوع الأول