سعياً وراء الخلود الواسع والشهرة العريضة بالإنتاج في النوع الثاني؛ فإنه لا شك ذو عقوق بأمته وبخل عن أداء (الضريبة الأدبية) الواجبة لها في فنه
وسيحسب هذا لدى النقد الصحيح نقصاً في طبيعته الفنية التي لم تستجب لنداء بيئتها، وبلادة في طبيعته الاجتماعية التي لم تحركها عوامل البؤس أو الجهل أو الاستبداد، لم تعطفها عواطف الرحم التي يجب أن تكون بينه وبين مجتمعه
على أننا لا نسلم أيضاً بأن الأدب الخاص بمجتمع ما، والذي يعالج مشكلة من مشكلاته أو يعرض مشهداً من مشاهد حياته لا يروق أذواق غيره من المجتمعات ما دام ذا ذخيرة موفورة من العواطف والأفكار والغرائز والمواقف والمفاجآت البشرية المشتركة. وتلك ذخيرة لا يخلو منها عمل فني يستحق الخلود، حتى لدى المجتمع الذي أنتج فيه. فالطبع البشري واحد الجوهر في كل مكان وزمان وإن اختلفت أعراضه اختلافاً ما، وهانحن أولاء نرى فيما نقرؤه ونشاهده في السينما من آداب الأمم وفنونها الخاصة مصداقاً لما نقول، فهي كثيراً ما تعالج مشكلات خاصة بالوسط الذي أنتجت فيه. ومع ذلك تجد فينا نحن الشرقيين الأسيويين أو الأفريقيين تذوقاً وفهماً لمراميها وأشخاصها
والتاريخ البشري متشابه الموجات، وأمراض المجتمعات البشرية في دور تكوينها واحدة تقريباً، ووسائل كفاح الاستبداد والجهالة والبؤس واحدة أو متشابهة
فلا يتوهمن فنان أن دائرة شهرته وخلوده تضيق بضيق المجتمع الذي يعالجه أو يصوره، فإن النماذج البشرية التي تعرض في حذق وبراعة أبداً خالدة؛ تلتقي في فهمها وتقديرها عقليات الأمم. والبشرية المتفرقة الآن صائرة حتما إلى لقاء: لقاء في الفكر والقلب والعلم والفن. . . وطلائع هذا المستقبل المأمول مقبلة بل هي حاضرة في دراسة كل أمة لآثار عبقريات كل أمة، وفي اقتناء مخلفاتها وترجمة روائع آدابها والتعرف إلى خصوصيات روحها. والدليل على ذلك يا صديقي الأستاذ الحكيم أن أدبك القومي ترجم كله؛ فقد أخبرتنا أن (عودة الروح)(ويوميات نائب في الأرياف) ترجما. . . أما أدبك الذي يدور حول الرموز والأساطير العالمية، فالنسبة في ترجمته أقل من هذا
فابحث في قومك ومجتمعك القريب عن ينابيع لوحيك وصنعتك البارعة، فإن قومك أولى وأحوج إلى الإيقاظ والتحرير والإصلاح. ولا عليك من الخلود وذيوع الصيت، فانهمالك ما