إنك شغلت نفسك بالأدب العالمي الذي يدور حول الأسرار والرموز والأساطير والقضايا الفلسفية التي تتصل بها النخبة الممتازة في كل أمة. وأنتجت في هذا إنتاجاً هو لا شك مفخرة للأدب العربي بين آداب العالم وللعقل المصري بين عقول الأمم. ولكن اسمح لي أن أقول لك بصراحة إن (الشعب) المصري لم ينتفع بما أنتجت إلا انتفاعاً يسيراً جداً بالنسبة إلى إنتاجك المبارك، فليس لك في السينما الشعبية إلا (رصاصة في القلب) وهي على ما فيها من بعض المواقف التهذيبية لم تعالج عقدة هامة من عقد الحياة المصرية الكثيرة، ولم تثر في أذهان الجماهير ثورة ما على الأوضاع السيئة التي تضيع حياتهم الراهنة. وإنما هي لون من ألوان أدب الفكاهة والمتعة في قوم لا ينقصهم من ألوان الفكاهة والتهريج وإزجاء الفراغ شيء. . . بل قد استحالت حياتهم إلى أضاحيك ومباذل. . . أما رواياتك الكبرى فلن تتسع لها الآن حوصلة المسرح المصري أو السينما، ولن يهضمها جمهوره إذ أنها تعالج قضايا فلسفية ورمزية فوق المستوى العام. وأحسبها وضعت للقراءة العميقة لا للتمثيل والتجسيم، فإن أحاديث شخصياتها تحتاج إلى سامعين مثقفين دارسين. وقد شهدت ذلك بنفسي في (أهل الكهف) حينما مثلت في أول عهدها
لقد تركت أنت وأمثالك لغيركم من المؤلفين التجاريين أن يمدوا بنتاجهم شركات السينما وهيآت المسرح التي كأن بينها سباق في قتل روح هذه الأمة وفي تشويه سمعتها في الأقطار العربية بما ينتجه أكثرها من فنٍ فجٍ رخيص مهرج داعر يسرق البقية الباقية من أخلاق الشرف والقوة في الأمة، ويفسد ذوقها ويحطم رجولتها ويديل عفاف نسائها، ولا يرتفع بها - إلا في النادر - إلى مستوى أعلى ولا يثيرها وينبهها إلى أوضاعها السيئة في السياسة والاقتصاد والدين والاجتماع
وإن تبعة المسئولين عن توجيه الثقافة الفنية العامة لهذا الشعب تبعة ثقيلة فادحة! فقد أطلقوا لتجار الغناء والمسرح والسينما أن يفعلوا ما يحلو لهم. وما يحلو لهم هو الربح والثروة بأي الطرق، وكثير منهم لا يفهمون روح هذا الشعب لأنهم ليسوا منه. . . ولا يبالون مصالحه ولا يقدرون ظروف الانتقال الخطيرة التي يمر بها. ولا يعلمون ما يحتاجه الآن لتدعيم بنائه الاجتماعي وتقوية روح النضال والكفاح فيه حتى لا ينسى ولا يفنى بين غمرات