لقد استطردت في الاقتباس من كلمة الأستاذ، لأنها واضحة دقيقة وافية، تحيل ذلك الحلم الضخم عيانا منظوراً، وتحول هذا المشروع الكبير حقيقة مستطاعة. استطردت في الاقتباس لهذا، ولسبب آخر يعنيني!
فالواقع أنني استرحت لهذا التفاؤل الذي يشيع في كلمة الأستاذ بعد أن بلا من مصر ما بلا في هذه السنين الطوال. وبعض هذا البلاء كاد يردني أنا الشاب إلى اليأس من كل رجاء!. . . إلى اليأس من تنفيذ أي اقتراح إنشائي يكلف المسئولين تغيير (الروتين) اليومي، والأقدام على المشروعات الضخمة التي لا تسير على مثال سابق، ولا تطرد على وتيرة معروفة. إن (السوابق) هي التي تحدد طريقة العمل واتجاهه في الديوان!
وكثيراً ما ابتلع هذا (الروتين) البغيض شخصيات حية مجددة تملا الدنيا ابتكاراً وتجديداً وهي خارج (القفص الذهبي) حتى إذا آوت إليه لفها الدولاب، وابتلعها الجو العام، وعادت (موظفين). أي آلات تسير سيرة الآلات!
فإذا ظل الرجاء يداعب رجلاً مجربا كالأستاذ الزيات، فذلك شعاع مضى يعشوا إليه أمثالنا من الشبان. وعجيب أن ينبع الأمل من نفوس الشيوخ وأن يتسرب منها إلى نفوس الشبان، في هذا الزمان!
في وقت من الأوقات كان في وزارة المعارف مشروع مهيأ لترجمة (شكسبير) وكان مقرراً أن يسند إلى أديب كبير يوثق بحسن قيامه على هذا العمل الضخم. ثم ماذا؟ ثم تغيرت الظروف السياسية، فطوى المشروع، لأن الرجل الذي اختبر له لا (ينسجم) مع القائمين بالحكم في ذلك الأوان!
وفي وقت من الأوقات كان في وزارة المعارف أديب كبير جم النشاط متعدد الجوانب، وكان للترجمة مشروع يقرب من مشروع الأستاذ الزيات، تقدم به كاتب السطور، وقيل له: إن المشروع موضع النظر والتفكير، ثم صب على الرجل سيل من أعمال (الروتين) فغرق وقته كله، حتى تغيرت الأحوال.
وفي وقت من الأوقات كان على رأس وزارة المعارف وزير يشتغل بالتأليف وبالترجمة أيضاً. وكان المنظور أن يصنع شيئاً في هذا المجال. ولكن عجلة (الروتين) (وتوزيع