الإيطالية الأخيرة. ولما اعتقد موسوليني أنه سما بإيطاليا وقواها العسكرية والمعنوية إلى أرفع مكانة، اتجه بأنظاره إلى الحبشة، ورأى أنه بغزوها واحتلالها يمحو وصمة الماضي المؤلم، ويحقق حلم إيطاليا المحطم في إنشاء إمبراطورية استعمارية كبيرة تشمل الإرترية والصومال والحبشة. وهانحن أولاء نشهد منذ أشهر قوى الفاشستية تتدفق بواسطة قناة السويس إلى شرق إفريقية، وهاهي تغزو أراضي الحبشة؛ وهكذا يزمع الاستعمار الأوربي أن ينقض على آخر وحدة مستقلة في إفريقية ليفترسها كما افترس أخواتها من قبل، وليعمم الاستعباد جميع أرجاء القارة السمراء
وليس من موضوعنا أن نتحدث هنا عن مصاير هذه الحرب الاستعمارية الجديدة، فان في الحبشة شعبا باسلا استطاع منذ فجر التاريخ أن يذود عن حرياته واستقلاله، واستطاع حتى في العصر الحديث أن يلقي على أولئك الذين يتربصون به اليوم درسا عميق الأثر، ولكنا نلاحظ بهذه المناسبة أن إيطاليا الفاشستية تذهب بعيدا في أحلامها القيصرية. أجل إن موسوليني يتشح اليوم بثياب قيصر، ويفكر على طريقة الدولة الرومانية، ويتصور أنه يستطيع بما اكتمل له من الاستعداد الحربي أن يخلق دولة القياصرة من جديد، وأن يجعل من البحر الأبيض المتوسط بحيرة رومانية، وأن يرد مصر - بعد الاستيلاء على الحبشة - إلى حظيرة الإمبراطورية الجديدة؛ ولكن موسوليني ليس بقيصر، وليست إيطاليا الفاشستية بالدولة الرومانية، وهيهات أن يسمح العالم الحديث لهذه الفاشستية المحمومة بأن تضع لمحة من أحلامها العريضة موضع التنفيذ. ولقد كانت إيطاليا منذ جيلين فقط أمة مستعبدة ممزقة تجاهد لاستقلالها ووحدتها، ولكنها اليوم، وهي حديثة عهد بنعمة الاستقلال، لا ترى بأسا من أن تجني على استقلال شعب حر باسل، لأنها فقط تحلم بافتتاحه واغتيال أرزاقه؛ ولكنا نحن الذين لا يؤمنون بعظمة الفاشستية، ولا بخلالها ووسائلها المثيرة، نتوقع أن تكون هذه المغامرة الذميمة - وقد اجترأت الفاشستية على تنفيذ مشروعها - قبر الفاشستية وقبر مطامعها وأحلامها الدموية الأثيمة