طرابلس، هي المنطقة الوحيدة التي بقيت من شمال إفريقية بعيدة عن الاحتلال الأوربي؛ وطرابلس تواجه إيطاليا في الضفة الأخرى من البحر، وفيها مناطق منبسطة شاسعة تصلح للحرث والاستعمار؛ ومنذ فاتحة هذا القرن تعمل إيطاليا لانتزاع طرابلس من قبضة تركيا الضعيفة، ولم تلق إيطاليا اعتراضا من إنكلترا أو فرنسا إذ كانتا تؤثران أن تحل في طرابلس دولة ثانوية مثل إيطاليا وتخشيان أن تحتلها منافستها القوية ألمانيا. وهكذا استطاعت إيطاليا بموافقة إنكلترا وفرنسا أن تعد عدتها لاحتلال طرابلس. وفي أواخر سنة ١٩١١ وجهت إيطاليا إلى تركيا بلاغا نهائيا تزعم فيه أن مصالحها في طرابلس قد عبث بها، وأتبعت ذلك في الحال باحتلال ثغري طرابلس وبنغازي، وتركت تركيا كعادتها طرابلس لمصيرها، ولم يتقدم للدفاع عنها سوى حاميتها الصغيرة؛ ولكن ذمرة من الضباط البواسل بين ترك ومصريين استطاعوا أن يحشدوا رجال القبائل لقتال العدو المغير، واستطالت الحرب الطرابلسية زهاء عام (حتى أكتوبر سنة ١٩١٢) وانتصر الإيطاليون في النهاية وعقدوا الصلح مع تركيا، واعترفت تركيا بالحماية الإيطالية على طرابلس. ولكن إيطاليا اشترت ظفرها غاليا بالمال والرجال، ولم تتقدم مع ذلك كثيرا داخل طرابلس، لأن رجال القبائل واصلوا الدفاع عن وطنهم، واستمرت إيطاليا تعاني أشد المتاعب في طرابلس مدى أعوام طويلة. ولم توفق إلى إخماد القبائل إلا منذ سنة ١٩٢٥، إذ جردت عليها قوى جرارة. واستعانت بأشنع وسائل الفتك الحديثة، ومع ذلك فإنها تقيم في طرابلس على بركان من الحفيظة والبغض قد ينفجر لأول فرصة
ومنذ قيام الطغيان الفاشستي في إيطاليا، تضطرم إيطاليا الفاشستية بآمال وأطماع جديدة، وتساورها حمى التوسع والفكرة الإمبراطورية. وكانت إيطاليا قد حصلت منذ سنة ١٩١٥ بمقتضى معاهدة لندن السرية على وعود من فرنسا وإنكلترا بأن تعوض عند دخولها في الحرب بمنح استعمارية في إفريقية، ولكن الحلفاء نكثوا وعودهم في مؤتمر الصلح، واكتفوا بما استولت عليه إيطاليا في أوربا من تراث النمسا. ولكن إيطاليا الفاشستية شددت في طلب الوفاء بالعهود المقطوعة، واستطاعت أن تحصل على مزايا استعمارية جديدة في إفريقية، مثل استيلائها على واحة جغبوب المصرية وواحة العوينات السودانية بفضل نفوذ إنكلترا، واستيلائها على منطقة شاسعة من السودان الفرنسي بمقتضى المعاهدة الفرنسية