بسياسة الضغط والوعيد أن تحمل منليك على أن يعقد معها معاهدة حماية مقنعة هي التي تعرف بمعاهدة أوشالي (مايو سنة ١٨٨٩)، وبها وضعت الحبشة تحت نوع من الوصاية الإيطالية؛ وحاولت إيطاليا خلال الأعوام التالية أن تتدخل في شؤون الحبشة تدخلا قويا، وأن تفرض عليها إرادتها، واستطاعت أن تحتل بعض أنحائها المجاورة الإرترية، ولكن الشعب الحبشي لم يلبث أن ثار لهذا الاعتداء على أرضه وحرياته؛ وقاد منليك هذه الثورة الوطنية، فجردت عليه إيطاليا جيشا ضخما قوامه خمسون ألف مقاتل بقيادة الجنرال باراتيري؛ ولكن الوطنية الحبشية غمرت كل شيء وسحقت الجيوش الإيطالية في موقعه عدوة الشهيرة من أعمال ولاية تجرى (٢ مارس سنة ١٨٩٦)، ولم تبق منها سوى فلول ممزقة، وحطمت آمال إيطاليا ومشاريعها الاستعمارية، وأرغمت على الاعتراف باستقلال الحبشة؛ واستمر منليك الثاني أو منليك الأكبر محرر الحبشة أعواما طويلة يقودها في سبيل الإصلاح والتقدم؛ وفي عهده نظمت الحبشة علائقها مع الدول الأوربية، واستطاعت أن ترغمها جميعا على احترام استقلالها. وفي سنة ١٩٠٦ عقد تحالف ثلاثي بين بريطانيا العظمى وفرنسا وإيطاليا يقضي بالعمل المشترك بينها لحماية أراضيها ومصالحها في تلك المنطقة، وينص على وحدة الحبشة واستقلالها، وينص أيضا على تفوق المصالح الإيطالية في الحبشة. ولما توفي منليك الأكبر سنة ١٩١٣ خلفه حفيده (ليجي ياسو) بعهد منه؛ ولكن عوامل التفرق عادت تعمل عملها، واضطرمت الحرب الأهلية مرة أخرى، وعزل (ليجي ياسو) بعد خطوب وحوادث جمة، وتولت العرش (زوديتو) كبرى بنات منليك، وعين الرأس تفري وصيا للعرش ووليا للعهد، فاستأثر بكل سلطة حقيقة. ولم تمض أعوام قلائل حتى أعلن نفسه إمبراطورا إلى جانب (زوديتو) ولما توفيت الإمبراطورة سنة ١٩٣٠، انفرد بالملك تلقب باسم (هيلا سلاسي)، وفي عهده قطعت الحبشة مراحل كبيرة في سبيلا التقدم والاتحاد والإصلاح الوطني، والتحقت بعصبة الأمم (سنة ١٩٢٣)، وزار الإمبراطور إيطاليا سنة ١٩٢٥ فاستقبل في رومة بحفاوة كبيرة، وعقدت على أثر ذلك بين البلدين معاهدة صداقة وتحكيم واعتقدت الحبشة أنها في ظل عصبة الأمم، وظل الصداقة الإيطالية الجديدة، قد أمنت مطامع الاستعمار ومشاريعه الغادرة
وكانت إيطاليا منذ نكبة (عدوة) قد وجهت مطامعها الاستعمارية شطرا آخر. وكانت