احتلت خليج عصب وما يليه جنوبا؛ واحتلت ثغر مصوع وما يليه من الساحل شمالا (سنة ١٨٨٥)؛ وأرسلت حملة أخرى إلى بلاد الصومال مما يلي المحيط الهندي، فاحتلت شقة ضيقة طويلة على الساحل، من نهر جوبا حتى رأس جردفوي، وهي التي تعرف اليوم بالصومال الإيطالي (سنة ١٨٨٨). وكانت إيطاليا يومئذ دولة ناشئة فتية تجيش بآمال كبيرة، وكان وزيرها الشهير (كرسبي) روح هذه المغامرات الاستعمارية؛ وكان يحلم بإنشاء إمبراطورية استعمارية إيطالية ضخمة في شرق إفريقية تضم الحبشة، وتصل ما بين الإرترية والصومال؛ وكان تفاهم الدول الأوربية على اقتسام إفريقية يخول لإيطاليا حرية العمل في تلك المنطقة. فلما تم احتلال الإرترية والصومال، اعتقد كرسبي أن الفرصة قد سنحت لغزو الحبشة، والعمل لإنشاء الإمبراطورية الاستعمارية التي يتوق إلى إنشائها
وكانت الحبشة منذ منتصف القرن التاسع عشر تجوز فترة من الضعف والتفرق؛ وكان ملكها يومئذ الإمبراطور تيودور، وهو أمير من أمهرا يدعى كاساي، اغتصب العرش من الرأس (علي) ملك الحبشة المسلم، وأقام نفسه إمبراطورا، وبسط على الحبشة حكمه المطلق، وأثار بشدته وعنفه في معاملة الأجانب سخط الدول الأوربية، وقبض على عدد من المرسلين والنزلاء الإنكليز وأبى أن يطلق سراحهم، فجهزت إنكلترا حملة لغزو الحبشة بقيادة السير نابيير؛ ونفذت هذه الحملة إلى الحبشة في سنة ١٨٦٨، وهزمت جيش الإمبراطور، فاضطر تيودور أن يطلب الصلح، ثم أنتحر يأسا وغما؛ وانسحب الإنكليز، وعادت الحرب الأهلية في الحبشة، واستولى على العرش كاسي أمير تجرى، ونصب نفسه إمبراطورا باسم يوحنا الثاني؛ ولبثت الحبشة في حالة اضطراب وفوضى؛ واحتل الإيطاليون في تلك الفترة ساحل إرترية والصومال؛ وكانت الجيوش المصرية قد نفذت قبل ذلك بأعوام إلى بعض مناطق الحبشة مما يلي السودان فاستطاع الإمبراطور يوحنا أن يوقع بها هزيمة فادحة وأن يرغمها على الجلاء عن الحبشة (سنة ١٨٧٦)، ولما توفي يوحنا سنة ١٨٨٩ خلفه على العرش منليك أمير شوا، باسم الإمبراطور منليك الثاني. وبدأ منليك حكمه في ظروف صعبة؛ وكانت إيطاليا قد استطاعت أن تتقرب إلى الحبشة، وأن تبسط عليها نفوذها شيئا فشيئا تحت ستار المعاونات والصلات الودية، وما زالت حتى استطاعت