ممن يهتمون بأمثال هذه المباحث. ولكن لسوء الحظ لا نعلم فيما بين أيدينا من مراجع وصفاً للقاهرة في عهد ابن أياس. ولو قد تأخر الزمن بالمقريزي حتى شاهد مصر العثمانية لكان لنا من مادته في الخطط فيض غزير وتدخل القاهرة بعد ذلك في دور جديد، وتودع عهد المماليك لتستقبل عهد الأتراك. ويظهر أن هؤلاء خربوا كثيراً من معالمهما، وليس لدي الآن وأنا أكتب هذه الكلمة نص تاريخي قاطع للتدليل على ما أقول؛ ولكن بيتين للشاعر بدر الدين الزيتوني المعاصر للفتح العثماني يشتم القارئ منهما رائحة التخريب والذبول فيما كان قائماً فيها من آثار
وقد يكون الشاعر بدر الدين الزيتوني جنح إلى المبالغة في بيتيه كما يصنع الشعراء غالباً في اكثر ما يصفون. إلا أنه كلام يلقى ظلاً من الحق على ما ذهب إليه فيقول:
نبكي على مصر وسكانها ... قد خربت أركانها العامرة
وأصبحت بالذل مقهورة ... من بعدما كانت هي القاهرة
فقوله خربت أركانها العامرة لم يكن ضرورة من ضرورات القافية التجأ إليها، ولكن يلوح لنا أنه كلام فيه من الحق كثير وإذا كان العصر التركي قد اتسم بالغموض في كثير من حوادثه، إلا أن بعض المؤرخين من المصريين وبعض الرحالين من الأجانب قد وصفوا مصر في هذه الفترة الطويلة المظلمة. وابن أياس والجبرتي مرجعان مهمان لذلك العصر
وممن زار القاهرة في ذلك العصر القس (ريتشارد بوكوك) في سنة ١٧٣٧م وترك كتابه الضخم (وصف الشرق وبلاد أخرى). وكتب قبله (دي ما بيه) قنصل فرنسا في مصر كتاباً عن أحوال مصر في أواخر القرن السابع عشر وأوائل الثامن عشر الميلادي
أما القاهرة في عهد محمد علي فقد وصفها المستشرق (لاين) في أحد كتابيه المشهورين، ووصف آداب أهلها وعاداتهم ولباسهم وطعامهم وشرابهم وبعض أغانيهم التي كان يقرؤها علينا تحت ظلال شجرة الكافور على نيل المنصورة قارئ أديب فيستمع إليها الأستاذان الجليلان: أحمد حسن الزيات والشيخ محمود زناتي وكاتب هذه الكلمات في لذة ومتاع عظيم