نصبها بالحوش ثلاثمائة رجل من النواتية، ونصبت خارج الخيمة أحواض من الجلد قد ملئت ماء مسكراً، وجلس السلطان في الخيمة وحوله الأتابكي (رئيس الجند) والأمراء المقدمون والقضاة الأربعة والوجهاء من أهل القاهرة والقراء والعلماء ومد السماط الحافل بكل هنيء مريء
وفي أيام نيابة طومان باي عن الغوري، احتفل بوفاء النيل وكسر السد. فنزل الأمير لهذه الغاية في سفينة كبيرة، وتوجه إلى المقياس وعاين زيادة النيل وقدرها، وتم الاحتفال في سرور عاد بعده الأمير إلى مقره في موكب حافل عظيم
وتذكرنا حوادث إخلاء المناطق الخطرة في الإسكندرية اليوم بسبب الغارات الطائشة عليها، بحادث إخلاء حيّ (بركة الرطلي) من سكانه، والفرق بين الحادثين كبير، إلا أن النتيجة كانت واحدة وهي وحشة كل من الحيين وفرار الناس عنهما. ولم يذكر ابن أياس السبب الذي حدا بالأمير (طومان باي) إلى تحريم السكن في بركة الرطلي والمسطاحي، ولا لماذا تشدد الأمير في إخلاء هذين الحيين حتى صارا موحشين، وغَدَوا بلقعين لا يسكن إليهما ساكن، ولا يطمئن إليها ناظر، ولا تتحرك فيها من الأنس نسائم. ولقد خسر بذلك أصحاب الدور أموالاً كثيرة، وأصبحت بيوتهم خاوية خالية. ولقد صَّور الشيخ بدر الزيتوني هذه الصورة الموحشة في شعر يقول فيه:
وأضحت بيوت الجسر خالية فلا ... لصاحبها سكنى ولا واحد يكرى
وقد أصبحت تلك القصور خوالياً ... فيا وحشة السكان من كل ذي قصر
على بركة الرطلي نوحوا وعددوا ... لما حل فيها من نكال ومن خسر
رعى الله أياماً نقضت يطيبها ... ونحن بمصر في أمان وفي بشر
وكان الدوادار الكبير هو الذي ... أشار بهذا المنع بالنهي والأمر
وغفر الله لهذا الشاعر فشعره أصدق صورة لما وصل إليه الشعر العربي في عصر المماليك من ركة وسخف وضعف
على أنه يؤخذ على أياس أيضاً - كما أخذ على غيره من المؤرخين - أنه لم يتعرض لوصف القاهرة في عهده في تفصيل. ولعله كان مثل الكثيرين من المؤرخين لا يهتم إلا بالناحية السياسية أو العسكرية من تاريخه. أما ناحية الوصف والتخطيط فقد تركها لغيره