إنما هي فجيعة لأهل الخير الذين يؤثرونه والذين يطلبونه. . .
ونحن اليوم إذ نعزي العالم الإسلامي في موته، والعلم في فقده، نرجو أن نعود لوفائه حقه من الحديث المستفيض في شتى نواحي حياته وإنسانيته. أسكنه الله فسيح جناته، وأسبغ عليه عميم رحماته.
مرحى توفيق الحكيم!
مرحى يا صديقي الكاتب الكبير! وتهنئتي لك على تحرر قلمك الموهوب وخلوصه لأمتك التي تحتاج إلى فنه وقوته في هذا الدور من تاريخها مسيس الاحتياج. . أمتك العربية الكبيرة لا مصر وحدها.
ومن حقك على أن أسجل لك هذا الموقف المشرف في مقالك (عطور وخمور وفكر) الذي نشرته بالعدد الماضي من (أخبار اليوم) والذي نال من الدعاية الفرنسية ومحاولتها تجديد خديعة مصر عن واجبها إزاء أبناء عمومتها في شمال أفريقية، ما لم ينله مقال آخر، من حقك على أن أسجل لك هذا بعد ما أنحيت عليك بلوم مر على صفحات هذه المجلة لموقف عكسي سابق بدا لي فيه أنك مخدوع بفرنسا متعصب لها تعصبا قد أنساك بعض المجاملة في حديث إخوانك، وأنت الرجل المهذب الهادئ، مما دعاني يومئذ أن أغضي عما لك في نفسي من مكانة حينما بدا لي أنك تغضي عما ترتكبه فرنسا ضد الحرية وضد حرمات الفكر في شمال أفريقية، وأنت يجب إلا يخدع عن ذلك.
والآن أحمد الله إليك على أن سريرتك الطيبة الحرة قد انكشف لها موقف فرنسا على حقيقته، فأثبت أن الثقافة الفرنسية والدعاية الفرنسية لا تستطيعان أن تخدعا المفكرين العرب بعد اليوم عن واجبهم إزاء ما يرونه من تناقض فاحش بين الفكر الفرنسي الزاعم لنفسه الدفاع عن حريات الإنسان وحقوقه، وبين السياسة الفرنسية الغاشمة التي تجعل من تونس والجزائر ومراكش سجونا لأهلها تحرمهم خبز الروح والفكر العربي الذي ينتجه أبناء عمومتهم، وتحبسهم عن الرحلة في طلبه، وتحول بين الناس وبين الرحلة إليهم ليروا آثار الحكم الفرنسي السعيد فيهم.
وأحسب أن بعض أصدقاء فرنسا في مصر قد فاجأهم وأدهشهم موقفك الأخير من فرنسا وأنت ربيبها، وقد كنت من الأوفياء لها حتى بعد انهيارها وسقوطها بينما انقلب كثيرون