ضدها بعد أن كانوا من أبواقها قبل الحرب ولا أزال أذكر كلمتك (فيران السفينة) التي نشرتها في الأهرام غداة سقوط فرنسا وتخلي بعض تلك الأبواق عنها ودعايتهم ضدها واشمئزازك منهم ذلك الاشمئزاز الذي صورته في تلك الكلمة. . .
أقول أنا أحسب ذلك وأذكر هذا، ولكن مهما يكن من شيء فإنه لا بد للكاتب الحر أن يفي للحق والحرية ويدافع عنهما في أي أفق، ولا يضيره أن يتغير موقفه في الدفاع، وإني أعتقد أن فرنسا تستفيد من موقفك الأخير أضعاف ما تستفيده من موقف الإغضاء عنها أو الخديعة بدعايتها، لأن ذلك سينبهها إلى أن تترك سياستها التقليدية في خداع العرب عن طريق مصر، وإذا كنت قد عشقت روحها الحرة فمن واجبك أن تذكرها بها وتلومها، وتشتد في لومها وتغاضبها إذا ما رأيتها ترتد عن رسالة تلك الروح، وما أظن عشاق فرنسا من المفكرين والكتاب في الشرق يحبونها لما يرون فيها من البهرج والزينة والمتع الحسية، وإلا كانوا أحرياء ألا يسموا مفكرين، وإنما هم طبعا يحبونها لتقاليد آدابها وما اشتهرت به لديهم من دفاعها عن الحريات. فإذا كشفت لهم الأيام حقيقة خداع فرنسا في ذلك كله فما أحراهم حينئذ أن يناشدوها أن تحقق ما أحبوها من أجله، وبخاصة مع قوم تربطهم بهم روابط الدم واللغة والعواطف والآمال والآلام، فإذا لم تستجب لمناشدتهم فما أحراهم أن يخلعوا من قلوبهم الولاء والحب لها ومن ألسنتهم المجاملة وأن يستقبلوا وافدي الدعاية لها بما هم أهله من الفتور والإهمال.
ذلك هو منطق الذين لا يريدون لأنفسهم التناقض مع أنفسهم، ولا يريدون أن يعدوا لدى فرنسا مخدوعين ولدى الشرق خادعين أو مخدوعين.
فامض أيها الصديق في طريق الدفاع عن المغاربة والغضب لهم لا لأنهم من قومك فحسب؛ بل لأن الحق والحرية، وهما عماد رسالة الفكر، تشتد فرنسا في محاربتهما على مسرح بلادهم. وعسى الله أن ينبه بك أذهان البقية من أصدقاء فرنسا في مصر إلى واجبهم في معالنة فرنسا بالخصومة إذا لم تغير سياستها مع المغاربة تغييرا أساسيا. وانك لمكسب كسبناه والسلام.