عدم آخر الوجود، فصاحي ... هاتِ راحاً أغدو بها غير صاح
وأدرها ريحانة الأرواح
لست شيئاً بعد الممات فهبني ... لست شيئاً قُبيله، واصطحبني
نقتل الوقت لذةً وانشراحا ... وثمولاً ونشوةً وانطرابا
فأرثى له، لأنه نفى أن يكون شيئاً بعد الموت، وهاهو ذا يسعى بروحه بين أيديكم يا معشر الشعراء إلى حيث تذهبون من هذه الجنات التي تغرسونها اليوم. . . له الله!. . أين ولي؟. . . فقال صاحبي اللبناني: لقد ذهب يلتمس ريحانة الأرواح في ظل تلك الكرمة النائية، فهلم نذهب إليه، فقلت: عجبا لك يا صاحبي! ألا تزال مشوقاً إليه مشغوفاً به، وأنت من أنت في هذه الجنة الفيحاء؟ أليس بحسبك ما ترسمت خطاه، حين قلت في همس جفونك، من أوراق الخريف:
عودي إلى حضن الثرى ... وجددي العهود
وانسي جمالاً قد ذوى ... ما كان لن يعود
كم أزهرت سوسانةُ ... وكم ذَوَتْ ورود
فلا تخافي ما جرى ... ولا تلومي القدرا
فمن أضاع جوهراً ... يلقاه في اللحودْ
عودي إلى حضن الثرى!
وأردت أن أردد من أشعاره ما ردد فيها من معاني النيسابوري عمر الخيام، لولا أن تجهم قليلاً، وقال مقاطعاً لكنك تبدل بعض الكلمات في شعري ولا ترويه كما نظمته. . فاعتذرت إليه بأني إنما أروى الذي علق بالذاكرة، وقد لا تؤتمر الذاكرة في غالب أمرها
ثم انطلقنا إلى حيث جلس الخيام في ظل كرمة، وقد وقف أمامه مخلوق عجيب يحاسبه ويشتط عليه في الحساب. . . فلما سألت صاحبي اللبناني عن هذا المخلوق الأديب المتمكن، ذكر لي أنه زهير بن نمير، شيطان ابن شهيد، الذي ألهمه رسالته (الزوابع والتوابع). فقلت له: وما زهير بن نمير في هذه الجنة، وهو شيطان!؟ فتبسم صاحبي ثم قال: لعله ما أوى إلى هذه الجنة إلا ليحاسبني أنا، لا ليحاسب الخيام. . . فامض بنا،