بجمال الطبيعة في تلك الساعة، فان فرحي كان أعظم بالفراش الأصفر الكبير الذي شاهدته يتنقل في الخضرة والحشائش من غصن إلى غصن، وكأنه في حسنه زهور (البانسيه)، لأني كنت كرفاقي مولعا باقتناء الفراش وحفظه بالمنزل في علب خاصة غطاؤها من زجاج. ولكن ظهر أني كنت واهما حين ظننتني سأصطاد ما أشاء من هذا الفراش، لأني حضرت إلى درس جيولوجيا في هذا المكان لا إلى اللهو والتسلية! وكان ذلك سبب ضحك الطلبة في الفصل حينما تقدمت من ذات نفسي للاشتراك في تلك الرحلة! إذ أمرنا المدرس بالتقاط ما يصادفنا في الطريق من الحجارة الغريبة وعرضه عليه. . وكان إذا راقه حجر أخرج منظاره ففحصه في شغف كأنه (الحجر القيم). . ثم أمرنا بحفظه معنا. . لهذا أحضر رفاقي أكياسا من الجلد. أما أنا فكنت أضع الحجر في جيبي لأني لم أحضر كيسا، ولما بلغت المدينة كانت جيوبي ممزقة شر تمزيق! وكان أستاذنا إذا أطلعناه على حجر أخذ يشرح لنا أصله شرحا طويلا ويذكر ما كان بالحجر من معادن كالحديد والفحم والخشب المحجر. أما نحن فكنا نوافق على كلامه من غير سؤال ولا مناقشة لعله ينتهي بسرعة من شرحه الممل! ولما رجعنا في المساء إلى برشلونة، كنا نمشي متطرحين من الإعياء، وفي درس الجيولوجيا التالي حينما أخذ المدرس يجمع أعضاء الرحلة المقبلة كعادته قبل السير في الدرس، خاطبني قائلا: شوقي بطبيعة الحال يصاحبنا في هذه الرحلة؟ فقمت على الفور من مقعدي وأجبته في انفعال: شوقي مريض لا يذهب! فامتعض وتأثر ولكنه أراد أن يصرف النظر عن هذا الرد الجاف ليستر على الأقل خجله، ولكن الطلبة ضحكوا ضحكا عاليا من إجابتي، فاشتد حينئذ غضبه علي وعاقبني بالحبس ساعة!
من طرائف الشعر
طاقة الزهر
طرفة أخرى في الوصف للعالم الشاعر الأستاذ أحمد الزين
أهدت إلى النفس ريا نشرها العبق ... والطيب في الزهر يوحي طيب الخلق
رقت رسائلها للكون فاتخذت ... من النسيم بريدا شاع في الأفق
وما رأيت بريدا خف محمله ... مثل النسيم حكى المعنى بلا ورق