المجوسية كانت صلة قوية من الصلات التي تقفهم كتلة واحدة أمام السيل العربي المتدفق على بلادهم والذي قضى على استقلالهم ومملكتهم ونظمهم، وجاء بدين يحاول هدم عقائدهم. ومنها أن المجوسية سلاح خفي فالمحافظة عليها محافظة على سلاح أفتك بالإسلام والعرب وسلطانهم من كثير من الأسلحة التي جربوها فنجحوا حيناً وفشلوا أحياناً، ولم يكن خافياً على دهاتهم ورؤسائهم أثر هذه الديانة من حيث هي صلة قوية بين الفرس ولا من حيث هي سلاح.
ولم يكن من الممكن أن تمحي هذه العقيدة من قلوب معتنقيها وعقولهم وهي منهم بمجرد إكراههم على تركها، بل لم يكن ذلك ممكناً حتى لمن دخلوا في الإسلام مخلصين له لآن النفس البشرية بحكم تكوينها تأبى أن يمحى منها عقيدة محواً تاماً لتحل محلها أخرى حلولا تاماً كما هي عليه في صورتها الأولى، بل المجرب والمشاهد والمستطاع أن تتقارب العقيدتان وتتداخلا على حساب كل منهما حتى تنسجما في النفس البشرية بعض الانسجام وهذا مع الإخلاص وعلى أفضل حل مستطاع. والأكثر ألا تتغير من العقيدة القديمة إلا العناوين فتبقى كما هي، ولا يدخل في النفس من العقيدة الجديدة شيء بالرغم من التمسك بعناوينها في الظاهر. وإذن فكيف بمن دخلوا في الإسلام خوفاً أو طمعاً بل كيف بمن استطاعوا أن يؤدوا الجزية للفاتحين مع البقاء على دينهم؟ ذلك لأن المجوس حين فتح فارس اعتبروا كأنهم أهل كتاب، وإن لم يكونوا من الكتابيين: اليهود أصحاب التوراة والنصارى أصحاب الإنجيل - وهؤلاء الكتابيون هم الذين نص القرآن على أخذ الجزية منهم إذا أرادوا البقاء على دينهم، ومع ذلك فقد سن القواد الذين فتحوا بلادهم سنة أهل الكتاب بهم حسب رأى الخليفة لأن كتابهم الذي سنذكره بعد قليل - وإن يكن غير منزل من السماء كما رأى المسلمون - يشبه الكتب السماوية، ومن أجل ذلك فرضت الجزية على من شاء البقاء على مجوسيته واستطاع دفعها أو أعفى منها لسبب من أسباب الإعفاء. فكانت هذه المعاملة من أسباب بقاء المجوسية يضاف إلى عوامل بقائها التي أشرنا إليها من قبل.
وقد بقيت مذاهب المجوسية التي سنتكلم فيها بعد قليل قائمة بعد الفتح الإسلامي لفارس زمناً طويلا، فكانت بيوت النيران التي يعظمها المجوس تتقد فيها النيران ولها خدمها وسدنتها في فارس تحت حكم العربي الإسلامي، وحسبنا مثلا خالد بن برمك وهو من أكبر