دعاة الدولة العباسية وزعمائها والمشاركين في قيامها وقد استوزره الخليفة العباسي السفاح (١٣٢ - ١٣٦هـ) بعد قتل أبي سلمة حفص الخلال أول وزير في الإسلام كما أشرنا إلى ذلك من قبل، وكان خالد هذا كما قال الخضري بك (من مجوس بلغ وكان يخدم النوبهار، وهو معبد للمجوس بمدينة بلخ توقد فيه النيران فكان برمك وبنوه سدنة له)(محاضراته في الدولة العباسية ص ١١١).
وكان ذلك في أوائل القرن الثاني الهجري بل ظلت بيوت النيران قائمة في غير بلاد الفرس عند موت خالد بن برمك سنة ١٦٣هـ في خلافة المهدي الذي نتكلم في الزندقة على عهده، فقد كان على خليج القسطنطينية من بلاد الدولة الرومانية الشرقية يومئذ بيت نار كان قد بناه سابور الجنود بن أردشير حين نزل على الخليج وحاصر القسطنطينية في إحدى حروبه مع الروم، وقد اشترط عليهم بقاءه فبقى إلى خلافة المهدي (١٥٨ - ١٦٩هـ) الذي نتحدث بموضوع الزندقة في عهده. بل ما زالت عبادة النيران في الهند حتى القرن الثامن الهجري وكان عبادها يسمون (الإكنواطرية)، بل ما تزال في بمباي بالهند طائفة من المجوس يتمسكون بمجوسيتهم ونيرانهم حتى اليوم ويسمون (الفرسيين).
بل لقد تأدى بنا البحت إلى مكان لا مناص لنا فيه من السؤال عن المجوسية وعما إذا كان لها من أثر في تعاليم الزنادقة الذين ظهروا في عهد المهدي.
ليس من همنا هنا أن نتبسط في شرح المجوسية بل سنجعل القول فيها إجمالا، وسنقتصر في هذا الإجمال على التعاليم التي يمكن أن يكون لها بموضوعنا صلة. وأبادر فأنبه إلى أننا عاجزون عن فهم مدلول المجوسية بغير فهم أطوارها وفهم الرجال الذين تطورت على أيديهم، وإلا فإن معنى المجوسية يظل محوطا بكثير من الغموض والاضطراب، فالحق أن المجوسية إنما هي أطوارها، وهناك تعاليم مشتركة بين كل هذه الأطوار، ولكن هناك أيضاً تعاليم تختص بها بعض الأطوار دون بعض، فإذا أطلقنا المجوسية على التعاليم المشتركة دون غيرها أخرجنا عنها ما هو منها، وإذا أطلقناها على كل التعاليم عامة وخاصة أدخلنا فيها ما ليس منها أو وجدناها أمامنا مضطربة متناقضة في جملتها وتفصيلاتها.
كما أبادر فأنبه إلى أني غير مستريح إلى اعتبار المجوسية على اختلاف أطوارها ديانة من الديانات، لا لأنها غير سماوية ولا لأنها متناقضة، ولا لأني مسلم مضطر إلى عدم