الاعتراف بها، فقد أعترف بها كدين الصحابة الأولون وعاملوا أهلها كما عومل أصحاب الدينيين السماوية اليهودية والمسيحية، ولكني لا أستريح إلى اعتبارها ديانة لأن الديانات تكون خصيصة سامية، فموسى والمسيح ومحمد - عليهم السلام - الذين أرسلهم الله بأعظم الديانات السماوية كانوا ساميين، وهناك سبب آخر هو أن المجوسية على اختلاف أطوارها لم تستوفي معنى الديانة الكامل كما نفهم من هذه الكلمة عند إطلاقها. وأقرب إلى الصواب في نظري أن ندعوها فلسفة أو نزعة عقلية أو نزعة فنية، فهي لا تهتم كالديانات بحل المشاكل الغيبية، ولا تتطلع إلى ما وراء الطبيعة وفوق العقول بل إنها تحصر اهتمامها حصراً في العالم الذي أمامها وتحاول أن تتعرفه من طريق الحواس، كي تخلص من ذلك إلى الامتزاج به والانغماس فيه، وهذه هي النزعة التي تسلطت على العقل الآري في كل العصور.
من طريف ما أذكر هنا أني قرأت في كتاب (في أصول الأدب) للزيات أن فولتير في روايته (زيير) مثل عقد زواج بين رجل وامرأة على الطريقة الإسلامية فوصف أنه كان بأحد المساجد، وقد تسرب اليأس إلى ذهن المؤلف المسيحي من أن العادة في الزواج عند المسيحيين أن يعقد في الكنائس فقاس المساجد عليها في عقود الزواج بين المسلمين وشبيه بهذا المؤلف وما تصور من ذهب من العرب إلى اعتبار المجوسية ديانة كالإسلام واليهودية والنصرانية قبله، ومن ثم وقعت أخطاء كثيرة في فهمها.
تنتمي الأمة الفارسية إلى الجنس الآري، وقد سكنت إيران وما حولها قبل الإسلام بقرون كثيرة، وبالرغم من أنا لا نرى كل ما ارتآه الفيلسوف الفرنسي رينان فمن الفروق الكثيرة بين العقل السامي والعقل الآري - لا نستطيع أن ننكر أن ثمة فروقاً بينهما. يرى الفيلسوف الهندي رابندرانات تاجور في كتابه (السدهانا) عند كلامه في أصول الفلسفة البرهمية القديمة أن الآريين القدماء عندما نزلوا الهند وجدوها مكشوفة بغاباتها وأنهارها وغدرانها، فكان من ذلك أن وجدوا أنفسهم جزء مًنها فحاولوا الامتزاج بها والاندماج فيها، وكان لذلك أثره في فلسفتهم وعقولهم وخيالهم وحضارتهم، وكذلك يقال في الآريين الذي نزلوا في إيران والذين يسمون الفرس أو الإيرانيين، فقد أحبوا الطبيعة وعبدوا قواها وحاولوا أن يندسوا فيها بفهمها على اعتبار انهم جزء منها وأنهم مثلها، والاتصال بها من