ولو شئت أو لو شاء القراء لسردت ثلاثين واقعة، ما هذا الذي ذكرت بأشدَّ منها ولا أعجب، فأين تقع الأمانة من نفوس هؤلاء الذين يدعون أنهم من المسلمين.
وكيف أصنع إذا كان هؤلاء (المسلمون) لا يوثق بهم، ولا يطمئن إليهم، أأعامل الأرمني والرومي والصهيوني وأقاطع بني ديني ووطني؟
أما إنه لخطب جسيم - فماذا تصنع المدارس ومعلموها، والمساجد وواعظوها، والصحف وكاتبوها، إذا لم يعلنوا على الخيانة حرباً لا هوادة فيها ولا مسالمة حتى يكون النصر عليها؟ وكيف لعمر الحق يكمل لنا استقلال، أو تتم سيادة، أو نجاري شعوب المدنية ونسابقها، إذا لم تسد الأمانة فينا، وإذا كان الواحد منا لا يستطيع أن يطمئن إلى أخيه ولا يعتمد على أمانته؟ وإذا كنا نقلد الغربيين في الشرور فلماذا لا نقلدهم في الصدق في المعاملة والوفاء بالوعد، والاستقامة في العمل؟
أمَا إن من أشكال الأمانة وصورها، أن القلم المتين، واللسان البليغ، أمانة في يد الكاتب والخطيب، فإذا لم يستعملاهما في إنكار المنكر، والأمر بالمعروف، والدعوة إلى الإصلاح، كانا ممن خان أمانته، وأضاعها، وفرّط فيها. . . فلينظر لنفسه كل كاتب وشاعر وصحفي وخطيب!