للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إصلاح ما فسد، فتلبسه مكرهاً أو تلقيه في دارك حتى تأكله (العثة) والأرضة. . .

وهذه الحال من إخلاف المواعيد، واختلاف الأكاذيب، عامة في أرباب الصناعات في بلادنا لم ينج منها إلا الأقل الأقل ممن عصم ربك. ولقد وقع لي أني كنت على جناح سفر إلى العراق، وقد أعددت له كل شيء، واتخذت لي مكاناً في السيارة ولم يبق إلا يوم واحد فخطر لي أن أبعث إلى الكواء بحلتي الجديدة لكيّها حتى إذا نزلت بغداد لبستها صالحة، وبيّنت له استعجالي ونفضت إليه قصة حالي، ونهيته أشد النهي عن غسلها، لأنه يفسدها ويؤخرني عن غايتي، فما كان منه إلا أن غسلها، طمعاً بفضل أجرة ينالها، فأفسدها وجعلني أسافر وأدعها. . .

وآخر من الكوائين غسل معطفي بصابون له مثل رائحة الخنازير الأهلية. . . فلم أستطع لبسه وحملته إليه ووبخته، فما كان منه إلا أن أنكر أن يكون له تلك الرائحة (وإنها لتشمّ من مسافة فرسخ)، وقلت: شمّها أليس لك أنف، فشمها بمثل خرطوم فيل. وقال: ما بها شيء! فكدت أنشق من غيظي وقلت لجماعة عنده: شمو بالله عليكم. فمدوا أنوفهم إليها ونظروا إليه، وقالوا بلسان واحد مثل مقالته. . . فاضطررت إلى أن أخرج فأدفع الثوب إلى فقير وإني لفقير إلى مثله!

واحتجت مرة إلى عامل يصلح لي طائفة من المقاعد، أستقبل عليها ضيفي وأكرم بها زواري، وهي وحدها التي أخشى اللصوص عليها، لأنها خير ما في الدار، حاشا الكتب، فدلوني على رجل له دكان ظاهر في شارع كبير، وفوقه لوحة كتب عليها اسمه وصناعته ووصف براعته وأمانته، فأنست به وكان كهلاً مشقشق اللسان، وأخذته فأريته المقاعد واستأجرته لإصلاحها، ودفعت إليه أكثر الأجرة مقدماً، وتركته ووكلت أخاً لي صغيراً به، وذهبت إلى عملي لم أرجع إلا المساء، فوجدت الرجل قد بعج بطون الكراسي وأخرج أحشاءها، وكسر عظامها وأرجلها، ولم يقدر على إعادتها سيرتها الأولى لأنه جاهل بالصناعة، فهرب وذهبت أفتش عنه حتى قبضت عليه، وأعدته إلى الدار، فأجتهد جهده، فكانت غاية ما استطاعه أنه جعل من مقاعدي المريحة آلات التعذيب، ومقاعد الأذى، إن لم يشق ثوب القاعد عليه مسمار ظاهر منها، ثقبت ظهره خشبة بارزة، أو كان مجلسه على أحدّ من شوك القتاد، وقبض الأجرة كاملة غير منقوصة. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>